البلشفية طريق الثورة الفصل الخامس: سنوات الحرب الدسائس الألمانية

كما هو الحال دائما في وقت الحرب تصاعدت أنشطة الأجهزة السرية التي بذلت كل الجهود الممكنة لكسب عملاء يمكنهم أن يكونوا مفيدين لها. ولم تقتصر محاولاتها على القادة الرسميين للحركة العمالية في البلدان الرئيسية. ولتحقيق ذلك لجأت إلى المؤامرات والرشاوى والابتزاز. واستنادا إلى المثل الشهير "عدو عدوي صديقي"، حاولت القوى العظمى تشجيع التمردات في مؤخرة العدو، ورفعت بديماغوجية شعار "حقوق الأمم في تقرير مصيرها". وهكذا أرسلت لندن عميلها، المغامر لورنس (لورنس العرب)، لتحريض العرب ضد الأتراك، ووعدت بكلبية كلا من اليهود والعرب بمنحهم فلسطين (في حين لم تكن تنوي إعطائها لأي منهما)؛ كما حاولت برلين دفع الفنلنديين إلى التمرد ضد روسيا. وفي خضم هذه المؤامرات والمؤامرات المضادة، كان عملاء الإمبريالية يلجؤون حتى إلى تحريض الثوريين بهدف دفعهم إلى القيام بأعمال تخريب قد تضعف العدو. وعلى سبيل المثال فإن اليساري السابق، بارفوس (ذلك الشخص الكفؤ لكن المغامر في نفس الوقت) والذي انتقل إلى معسكر الاشتراكية الشوفينية، افتتح ما أسماه "معهد دراسة الآثار الاجتماعية للحرب"، في كوبنهاغن، كأداة لاستقطاب الثوريين الروس من أجل التعاون مع الألمان. وبسبب الفقر والإحباط سقط الكثيرون في الفخ.

[Source]

لقد حرص البلاشفة طوال الحرب على النأي بأنفسهم بعيدا عن كل محاولات الإمبرياليين الألمان لتوريطهم في المؤامرات التي كانت ستشوه بشكل كامل سمعة الحزب في أعين الطبقة العاملة العالمية. لقد عمل لينين على توضيح موقفه في مئات المقالات والخطب سواء تجاه الحلفاء أو الألمان، حيث قال عنهم: "جميعهم طاعون!". وعلى الرغم من أن الحزب، كما رأينا، كان في أمس الحاجة إلى المال في ذلك الوقت، فإنه كان من المستحيل قبول أي أموال ألمانية، على الرغم من أن هذه الأخيرة قد عرضت ذلك بالفعل. كان موقف لينين من ذلك واضحا جدا، فعلى الرغم من أنه على الثوريين أن يستغلوا التناقضات الموجودة بين الإمبرياليين، فإنه يجب عليهم ألا يشاركوا في مؤامراتهم أو يصبحوا معتمدين عليهم بأي شكل من الأشكال. لكن ومع ذلك فإن أعداء البلشفية في وقتنا الحالي، وفي سياق حملتهم لتشويه سمعة لينين بكل الوسائل الممكنة، استخرجوا من مزبلة التاريخ التهمة بأنه كان "عميلا ألمانيا". كانت هذه الكذبة البشعة من اختراع جهاز المخابرات القيصرية من أجل تشويه سمعة البلاشفة، ثم تكررت لاحقا وتضخمت على يد الحكومة المؤقتة لتشويه سمعة البلاشفة واضطهادهم، في فترة الردة الرجعية التي تلت أيام يوليوز عام 1917. وها قد أعيد إحياؤها مجددا، في الفترة الأخيرة، على يد "مؤرخين" عديمي الضمير، مثل فولكوغونوف، والذين لا يحاولون حتى إخفاء كراهيتهم الشديدة تجاه لينين وتروتسكي والثوريين عموما.

في كتابه عن لينين، يعيد فولكوغونوف استنساخ كل الأكاذيب القديمة التي قيلت عن لينين بكونه "عميلا ألمانيا"، والتي تم تفنيدها منذ زمن بعيد. ولذلك أضاف إلى الكذابين القدامى بعض الكذابين الجدد، الذين يتضح بعد التدقيق أنهم مجرد نسخ مكررة لأسلافهم. يستشهد بـ "مؤرخ روسي"، يدعى ميلغونوف، يؤكد للقارئ أنه يجب على المرء أن يبحث عن «مفتاح الذهب الألماني في جيب بارفوس (هيلفاند)، الذي كان على اتصال دائم بالعالم الاشتراكي وجنرالات الجيش الألماني»، وأن هذا «ما يفسر النجاح السريع وغير العادي للدعاية التي قام بها لينين». متى كتبت هذه المادة الجديدة المذهلة؟ إنها تعود إلى عام 1940، عندما ظهر كتاب بعنوان "المفتاح الذهبي الألماني للبلاشفة"، في باريس والذي كان جزءا من ركام ضخم نشره منفيون روس، كانوا كلهم معارضون متعصبون ضد البلشفية، وتحركهم دوافع الحقد والكراهية وروح الانتقام. لا يمكن للمرء أن يتوقع من هذه المصادر أي تقييم علمي لهذا الموضوع أو لأي موضوع آخر.

لكن فولكوغونوف في النهاية أثار اهتمامنا عندما أضاف: «الآن وقد درست عددًا كبيرًا من الوثائق التي ما زال من المستحيل الحصول عليها حتى الآن...»، مما يجعلنا نفرح بأننا أخيرا سنتمكن من أن نلقي نظرة على هذه المصادر الجديدة والمثيرة! لكن ما الذي تظهره تلك المصادر؟ صدقوا أو لا تصدقوا إنها تظهر أن "سر الثورة" الشهير، والذي ظل مخفيا لفترة طويلة... «ما زال غير واضح». (التشديد من عندي: آ.و). وبالتالي فإنه إما أن "الأسرار" انتقلت شفهيا بين دائرة صغيرة من القادة البلاشفة، أو أنه قد تم تدمير الأدلة، و «لينين كان يعرف جيدا كيف يحمي الأسرار».[1]

لقد تمخض الجبل لكنه لم يلد فأرا، بل صرصورا! لكن حتى الصرصور يمكن أن يتعرض لعملية تضخيم لحجمه حتى يصير بحجم الأرض، مثلما حدث في هذه الحالة، بفضل بعض المساعدة من أصدقاء فولكوغونوف في وسائل الإعلام، الذين سارعوا إلى طمأنة الجميع بأن هذا الكتاب يحتوي على دليل قاطع، استنادا إلى مصادر جديدة تماما (ما زال من المستحيل الحصول عليها حتى الآن!)، بأن لينين لم يكن أكثر من مجرد عميل للقيصر الألماني (تماما مثلما قيل عن تروتسكي فيما بعد بأنه عميل لهتلر).

نجد موجزا (وإن غير كاف) عن سيرة بارفوس، الذي صار، بحلول عام 1914، شخصا غنيا جدا ومقربا من هيئة الأركان العامة الألمانية. يبدو أن لينين قد التقى ببارفوس في سويسرا عام 1915. لكن لا شيء جديد في هذه المعلومات لأن كتاب شوب موجود منذ فترة طويلة جدا، وكذلك السيرة التي كتبها زيمان عن بارفوس، والتي استمد منها فولكوغونوف معظم هذا المعلومات "الجديدة والأصلية" . بل إن هذا الاتهام (الذي اختلقته الحكومة المؤقتة خلال حملة التشهير ضد لينين والبلاشفة في يوليوز 1917) قد تم الرد عليه بالفعل من قبل لينين نفسه:

«إنهم يقحمون بارفوس، ويحاولون جاهدين إقامة علاقة ما بينه وبين البلاشفة. لكن البلاشفة في الواقع كانوا هم الذين وصفوا بارفوس، في سوتسيال-ديموكرات التي كانت تصدر في جنيف، بأنه خائن، ونددوا به بلا رحمة باعتباره بليخانوف ألماني، وقضوا إلى الأبد على كل احتمال لإقامة أي علاقة مع الاشتراكيين الشوفينيين أمثاله. كان البلاشفة هم الذين رفضوا بشكل قاطع، في اجتماع عقد في ستوكهولم، مع الاشتراكيين اليساريين السويديين، قبول بارفوس بأي صفة كانت، ولو حتى كضيف، ناهيك عن التحدث إليه.

كان هانيكي يعمل مكلفا بالشؤون التجارية في الشركة التي كان بارفوس شريكا فيها. إن المراسلات التجارية والمالية تخضع للرقابة بالطبع، وهي متوفرة الآن لمن يريد الاطلاع عليها. وقد بذل الكثير من الجهد لخلط هذه الشؤون التجارية بالسياسة، على الرغم من عدم تقديم أي دليل على الإطلاق!».[2]

عندما أثار بوخارين مسألة العمل مع بارفوس، نصحه لينين بالعدول عن القيام بذلك، على الرغم من أن بعض المناشفة كانوا يعملون هناك، وهي الحقيقة التي لم يستخدمها لينين أبدا ضدهم، ولا يتم الآن ذكرها مطلقا، نظرا لأن المفترين لا يهتمون إلا بتشويه سمعة الثوريين. في الحقيقة لقد شن لينين أشد الهجمات على بارفوس وأمثاله، حيث وصفه، على صفحات سوتسيال ديموكرات، بأنه مرتد وخائن، لكن هذه الحقيقة لا تجد أي صدى لها في كتاب فولكوغونوف. في عام 1915، كتب لينين عن بارفوس في مقال بعنوان "إلى أقصى حد":

«إنه يتملق هيندنبورغ، مؤكداً لقرائه أن "هيئة الأركان العامة الألمانية تعمل من أجل إحداث ثورة في روسيا"، ونشر مديحا ذليلا لهذا "التجسيد لروح الشعب الألماني"، و"مشاعر ألمانيا الثورية العظيمة". لقد وعد ألمانيا بتحول غير مؤلم إلى الاشتراكية من خلال تحالف بين المحافظين وبين قسم من الاشتراكيين، ومن خلال "بطاقات حصص الخبز". وباعتباره جبانا وتافها، فهو يوافق على مضض على بيان مؤتمر زيمروالد، متظاهرا بأنه لم يلاحظ فيه التعبيرات الموجهة ضد كل أشكال الاشتراكية الشوفينية، بدءا من أمثال بارفوس وبليخانوف، إلى كولب وكاوتسكي.

لا يوجد في أي من الأعداد الستة لصحيفته الصغيرة ولو فكرة واحدة نزيهة أو حجة جادة أو مقالة صادقة. إنها ليست سوى بالوعة للشوفينية الألمانية مغطاة بلافتة مرسومة بشكل سيء تدعي أنها تمثل مصالح الثورة الروسية! لذلك من الطبيعي تماما أن تتلقى هذه البالوعة الثناء من بعض الانتهازيين مثل كولب ومحرر صحيفة Chemnitz Volksstimme.

يمتلك السيد بارفوس الوقاحة الكافية لكي يعلن أن "مهمته" هي "العمل كحلقة وصل إيديولوجية بين البروليتاريا المسلحة الألمانية والبروليتاريا الثورية الروسية". ويكفي فضح هذه العبارة التهريجية أمام العمال الروس لإثارة سخريتهم».[3]

يشير فولكوغونوف مبتهجا إلى وجود العديد من الرسائل المكتوبة بالرموز التي كتبها لينين وتلقاها. لكن وبما أنه لا يمكن فك رموزها، للأسف، فإنه لا يمكننا معرفة أي شيء عن محتواها. ومع ذلك، على حد تعبير فولكوغونوف (الذي لم يتمكن بدوره من معرفة ما يوجد فيها)، يمكننا أن نفترض أنها تتحدث عن "الذهب الألماني" (ومن يدري كم من الأشياء الأخرى التي يمكنها أن تتضمنها؟). لسوء الحظ الكثير من الأشياء التي قام بها لينين كانت سرية، مثل النشاط اللاشرعي، أي 90% من عمل الحزب في ذلك الوقت! خلال حملة الحكومة المؤقتة للتشهير بالبلاشفة، أشارت هذه الأخيرة إلى وجود الكثير من الرسائل، التي زعمت أنها تعود للبلاشفة، والتي كانت إما ملفقة أو مشوهة بشكل متعمد من قبل الصحافة الألمانية لأغراض الدعاية. ولا شك أن الرسائل التي أشار إليها فولكوغونوف تندرج ضمن هذه الفئة. وفي سياق تفنيده لهذه الافتراءات، وخاصة المتعلقة "بالرسائل المرموزة"، يقول تروتسكي:

«تتعلق شهادة التاجر بورستين، بالعمليات التجارية التي قام بها هانكي وكوزلوفسكي بين بتروغراد وستوكهولم. لكن تلك العمليات التجارية التي تعود لزمن الحرب، والتي من البديهي أنها كانت تلجأ في بعض الأحيان إلى مراسلات مرموزة، لم تكن لها أي علاقة بالسياسة. لم يكن للحزب البلشفي أي علاقة بتلك التجارة. لقد ندد كل من لينين وتروتسكي علانية ببارفوس، الذي كان بارعا في التجارة سيئا في السياسة، وناشدا الثوريين الروس بقطع جميع العلاقات معه».[4]

وبعد أن صار فولكوغونوف أكثر فأكثرا يأسا، استنجد أخيرا بـ... كيرينسكي! عند هذه النقطة تكون العجلة قد أكملت دورة كاملة، وعدنا إلى حملة الأكاذيب الأصلية ضد البلاشفة على لسان "أكبر كذاب"، كما كان تروتسكي يسميه. يقتبس من شخص يدعى ييفجيفيا مافريكيفنا سمنسن والتي هي مصدر آخر "جديد وأصلي". ويقال إنها أكدت وجود حساب خاص في بنك سيبيريا يضم "حوالي مليون روبل"، والذي قيل إنه تم سحب مبلغ 800.000 روبل منه عشية الثورة. من هي هذه الآنسة سمنسن؟ إنها شاهدة أثناء محاكمات البلاشفة التي تمت خلال الحملة ضدهم في يوليوز 1917. من أين حصل فولكوغونوف على هذا الاقتباس؟ ليس من تلك "المصادر التي ما زال من المستحيل الحصول عليها حتى الآن"، بل من كتاب ميلغونوف الذي نشر في باريس عام 1940. وهلم جرا...

أليس من الممكن أن تكون بعض الأموال التي وزعتها هيئة الأركان العامة الألمانية من خلال وكلائها في الخارج قد وجدت طريقها، بطريقة أو بأخرى، إلى حسابات البلاشفة؟ خلال الحرب استخدم الألمان، والحلفاء أيضا، عملائهم داخل الحركة العمالية لشراء دعم الجماعات اليسارية في البلدان الأخرى. لكن الادعاء بأن الألمان قد اشتروا البلاشفة بالذهب وأن هناك تحالفا فعليا بين البلاشفة والإمبريالية الألمانية كذبة ليست فاحشة فحسب، بل وغبية للغاية أيضا. يعلم الجميع السلوك السياسي للبلاشفة أثناء الحرب وبعدها. وعلى سبيل المثال، يحاول فولكوغونوف إظهار أن الألمان قد حولوا الأموال إلى البلاشفة عبر السويد. كان ممثل الحزب البلشفي في السويد هو ألكسندر شليابنيكوف. وفي مذكراته، يشرح أن المخابرات الألمانية كانت بالفعل نشطة للغاية في السويد، واخترقت الاشتراكية الديمقراطية السويدية، وحاولت رشوة الثوريين الروس لخدمتها. فما هو الموقف الذي اتخذه؟

الجواب موجود في مذكرات شليابنيكوف. في أكتوبر 1914، وصل الزعيم الاشتراكي الديمقراطي الهولندي ترويلسترا، الذي كان مؤيدا لألمانيا، إلى ستوكهولم في مهمة باسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أي باسم هيئة الأركان العامة الألمانية. كان يريد حشد التعاطف مع ألمانيا من جانب الزعماء الاشتراكيين الديمقراطيين السويديين، ودافع عن فكرة نقل المكتب الأممي إلى أمستردام. انتهز الزعيم الهولندي الفرصة لسؤال البلاشفة عن موقفهم من الحرب. وقد أجابه شليابنيكوف في خطاب ألقاه أمام مؤتمر الاشتراكيين الديمقراطيين السويديين. حيث أنه بعد إدانته للحلفاء وفضح أهداف روسيا الرجعية من وراء الحرب، التفت إلى ترويلسترا قائلا:

«إن تفاجئ الاشتراكيين الألمان من أننا لا نشعر بالبهجة إزاء تحالفهم المعلن مؤخرا مع حكومتهم من أجل خوض "حرب مقدسة على النظام القيصري الروسي"، ليس سوى ستار منافق لإخفاء خيانتهم للأممية والاشتراكية عن أعين الجماهير.

لقد كنا دائما سعداء بقبول يد العون من جانب رفاقنا في الكدح والأفكار في كفاحنا الشاق ضد النظام القيصري، لكننا لم نطلب أبدا ولم ننتظر أبدا مساعدة الثورة الروسية من جانب الإقطاعيين الألمان، أو من جانب مستشار وصديق القيصر الروسي الرجعي ويلهلم الثاني.

نحن لا نتخلى عن كفاحنا ضد النظام القيصري الروسي، لكننا لا نعتمد في هذا الكفاح إلا على قواتنا الخاصة.

إننا نطلب من الاشتراكيين الديمقراطيين الألمان ألا يرسلوا ويلهلم الثاني بمدافعه لمساعدتنا، بل أن يحاولوا استخدام تلك المعدات الحربية ضد أمراءهم الإقطاعيين، تماما كما نأمل أن نستخدمها نحن ضد النظام القيصري الروسي.

الفنلنديون، إخواننا في الكدح، رفضوا بدورهم جميع مناورات الرأسمالية الألمانية واتخذوا نفس الموقف.

إن البروليتاريا الثورية في روسيا، إلى جانب جميع القوميات المضطهَدة، تأمل في تحقيق الانتصار دون عقد صفقات مع أي حكومة على الإطلاق».[5]

أثار الهجوم على الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، الذي شنه شليابنيكوف (الذي ظهر في المحاضر باسم أ. بيلينين لأسباب أمنية)، سخط القيادي السويدي برانتنغ، وأثار صراعا بين الجناحين اليميني واليساري للحزب:

«أخذ برانتنغ الكلمة حول مسألة ما إذا كان من الضروري اتخاذ قرار. كان قد توصل للتو بنص تهنئة من أحد الأحزاب الروسية، تتحدث عن خيانة الحزب الألماني. وأشار المتحدث إلى أنه ليس من المناسب أن يقوم المؤتمر بتوجيه الإدانة إلى الأحزاب الأخرى، وقال إنه يرى أنه من الضروري إصدار توصية اعتذار بشكل رسمي بسبب الفقرة المدرجة في التهنئة.

يعتبر هوغلاند (ستوكهولم) أنه من غير المناسب أن يتخذ المؤتمر مثل هذا القرار لأنه يوجد داخل حزبنا أيضا رفاق يعتبرون سلوك الألمان خيانة. أقترح على المؤتمر ألا يصدر حكما، وأن يكتفي بإدراج بيان برانتنغ في المحاضر.

وقال فينبرغ (ستوكهولم) إنه ينبغي لنا فقط أن نذكر أن الحكم المعبر عنه يظل مسؤولية الروس وحدهم.

وقد كرر برانتنغ مطلبه وأكد أنه في حالة رفضه سينشأ سوء فهم بأن المندوبين إلى المؤتمر يتعاطفون مع الحكم السالف الذكر».

وفي النهاية أسقط المؤتمر اقتراح فينبرغ وصادق على توصية برانتنغ، لكن بفارق ضئيل - 54 صوتا مقابل 50. لقد تكرر مثل هذا الوضع في جميع أحزاب الأممية الثانية، مما مهد الطريق لحدوث انشقاقات هائلة وتشكيل أممية جديدة، لكن بعد خمس سنوات، وبعد المرور من أشد المحن فظاعة.

وعلى عكس المزاعم التي تتحدث عن تمتع البلاشفة بمبالغ غير محدودة على شكل "ذهب ألماني"، فإنهم كانوا في الواقع يعانون من صعوبات مالية مستمرة. ويعد نقص الأموال موضوعا ثابتا في مذكرات شليابنيكوف:

«لقد شرعت في تعزيز فريق العمل البلشفي في ستوكهولم وتدريب العديد من البروليتاريين على العمل السري لتهريب الجرائد، وما إلى ذلك. لم يبد البيترسبورغيون أي مبادرة لتنظيم الاتصالات. وقد واجهت محاولاتي في هذا الاتجاه عقبات بسبب نقص الأموال. كان من الممكن تنظيم التهريب، لكن مقابل مبالغ كبيرة، إلا أنه لم يكن لديّ أي مال ولا أمل في الحصول على أي أموال. كان علينا الارتجال. كان هذا غير مرض على الإطلاق، خاصة أنه كان بإمكاني، لو توفرت لي حوالي 500 روبل شهريا، إغراق منظماتنا في روسيا بالأدبيات ولحافظت على اتصال شهري منتظم مع كل ركن من أركان البلاد. لكن لم يكن من الممكن الحصول على هذا المبلغ البسيط، هكذا كانت الأوضاع».

لو أن البلاشفة كانوا على استعداد لقبول أموال من الألمان، لما كانوا في مثل تلك الظروف المالية البائسة خلال الحرب. لكنهم لو قبلوا مثل تلك المساعدات من ذلك المصدر لكانوا قد حكموا على أنفسهم بالانحطاط. ويتذكر شليابنيكوف الصعوبات التي واجهوها قائلا:

«لم تكن هناك أية روابط دائمة ثابتة مع روسيا. كان علينا استخدام المساعي الحميدة للمهاجرين المغتربين، وكذلك الرفاق الفنلنديين، لنقل المال. وكانت العديد من الشركات التجارية والصناعية تقوم بتهريب البضائع والبشر. كان على رأس بعض تلك المؤسسات مهندسون روس اشتراكيون ديمقراطيون سابقون، لكن هؤلاء السادة كانوا يخشون من فقدان مناصبهم المريحة ولا يرغبون في تقديم أي مساعدة للعمل الثوري في روسيا».[6]

هوامش:

1: D. Volkogonov, Le Vrai Lénine, p. 130.

2: LCW, Dreyfusiad, vol. 25, p. 167.

3: LCW, At the Uttermost Limit, vol. 21, pp. 421-2.

4: L. Trotsky, The History of the Russian Revolution, pp. 599-600.

5: A. Shlyapnikov, On the Eve of 1917, pp. 40-41.

6: Ibid., p. 44, p. 51 and p. 47.