الثورة الروسية : ما الذي حققته ولماذا انحطت

«ومهما يكن رأي المرء في البلشفية، فإنه لا يمكن إنكار أن الثورة الروسية واحدة من أعظم أحداث التاريخ الإنساني، وأن حكم البلاشفة ظاهرة ذات أهمية عالمية»[1]

[Source]

صور المدافعون عن الرأسمالية انهيار الاتحاد السوفييتي على أنه يعادل النصر النهائي لـ “اقتصاد السوق الحر” على “الشيوعية”. وقد خلق، قبل ربع قرن، موجة من النشوة بين صفوف البرجوازية ومنظريها. لقد تحدثوا عن نهاية الاشتراكية ونهاية الشيوعية وحتى عن نهاية التاريخ، ومنذ ذلك الحين شهدنا هجوما أيديولوجيا غير مسبوق على الأفكار الماركسية على نطاق عالمي. لم يكن لذلك الاندفاع غير العقلاني أي حدود.

أعلن جورج بوش، الرئيس الأمريكي آنذاك، عن إنشاء نظام عالمي جديد تحت سيطرة الإمبريالية الأمريكية. وقال مارتن ماكولي: «الاتحاد السوفياتي لم يعد موجودا. لقد فشلت تلك التجربة العظيمة… والماركسية قد فشلت عمليا في كل مكان، ولا يوجد نموذج اقتصادي ماركسي قادر على التنافس مع الرأسمالية»[2][2]. “لقد انتصرنا!” هتفت افتتاحية صحيفة وول ستريت جورنال (24/5/89). كانت تلك هي المرحلة التي صرح فيها فرانسيس فوكوياما بمقولته سيئة الذكر: «لقد وصلنا مرحلة ما بعد التاريخ… لقد انتصرت الديمقراطية الليبرالية، ووصلت البشرية إلى ذروة حكمتها. لقد انتهى التاريخ».

لكن وبعد خمسة وعشرين عاما على ذلك لم يتبق حجر على حجر من تلك الأوهام الحمقاء. لقد دخلت الرأسمالية في أخطر أزمة لها منذ الكساد الكبير. ويواجه ملايين البشر مستقبل البطالة والفقر والاقتطاعات والتقشف. الحروب والصراعات تدمر كل الكوكب، الذي صار بقاؤه نفسه معرضا للخطر بسبب التخريب الذي يسببه اقتصاد السوق. والآن تبدو مزاعم الانتصار تلك مثيرة للسخرية في ضوء الحقائق. لقد كذّبت الأزمة العالمية للرأسمالية وآثارها تلك التنبؤات الواثقة. ومثل قطرة من الماء على موقد ساخن تبخرت جميع الوعود بالمن والسلوى، التي قدمها القادة الغربيون في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي.

لقد دفن حلم أمريكا في الهيمنة على العالم تحت أطلال حلب المحترقة. وتم تكذيب جميع تصريحات الانتصار التي قالها المنظرون البرجوازيون: لقد عاد التاريخ للانتقام. ونفس هؤلاء المحللين الغربيين الذين بالغوا في وصف كل عيب في الاقتصاد السوفياتي، ها هم الآن يكافحون، بشكل يائس، لشرح الفشل الواضح لاقتصاد السوق. كل ما نشهده الآن هو الانهيار الاقتصادي والاضطراب السياسي وعدم اليقين والحروب والصراعات. وقد أخلت النشوة السابقة مكانها الآن لأسوء أنواع التشاؤم.

ولهذا السبب بالذات ستكون الذكرى المائوية للثورة الروسية حتما مناسبة لتكثيف الحملة الشرسة المناهضة للشيوعية. وليس من الصعب فهم السبب في ذلك. إن أزمة الرأسمالية العالمية تثير تشكيكا عاما في “اقتصاد السوق”. وهناك إعادة إحياء للاهتمام بالأفكار الماركسية، مما يثير جزع البرجوازية. إن حملة التشهير الجديدة ليست انعكاسا للثقة، بل هي تعبير عن الخوف.

الخوف من الثورة

يظهر التاريخ أنه ليس كافيا للطبقة الحاكمة أن تهزم الثورة، بل من الضروري عليها أن تغطيها بالافتراء وتشوه اسم قادتها وتحيطها بسحابة من الأكاذيب الخبيثة والشكوك، لكي لا تشكل ذكراها مصدر إلهام للأجيال الجديدة. لا شيء جديد في هذا، فخلال القرن التاسع عشر، عندما ألف المؤرخ توماس كارليل كتابا عن أوليفر كرومويل، قال إنه قبل أن يتمكن من البدء كان عليه أن ينتشل جثة كرومويل من تحت جبل من الكلاب الميتة.

بعد عودة النظام الملكي في 1660، كان يتعين محو كل ذكريات كرومويل والثورة البرجوازية الإنجليزية من الذاكرة الجماعية. بدأ الملك العائد، تشارلز الثاني، التأريخ رسميا لحكمه من 30 يناير 1649، أي تاريخ إعدام تشارلز الأول، وتعين طمس جميع الإشارات إلى الجمهورية وأعمالها الثورية. كان تشارلز الثاني المغرور مدفوعا بمشاعر عميقة من الحقد والكراهية والرغبة في الانتقام، إلى درجة أنه ذهب إلى حد نبش قبر أوليفر كرومويل وشنق جثته على الملأ في تيبورن.

نفس مشاعر الحقد الخبيثة النابعة عن الخوف هي ما يحفز اليوم الجهود الحالية لطمس المكاسب والأهمية الثورية للثورة الروسية وتشويه ذكرى قادتها. إن التزييف المنهجي للتاريخ، الذي تقوم به البرجوازية حاليا، وإن كان أكثر أناقة نوعا ما من عمليات الإعدام خارج نطاق القانون التي قام بها الملوك الإنجليز، فإنه لا يتفوق عليها أخلاقيا بأي حال من الأحوال. لكنه في نهاية المطاف لن يكون أكثر فعالية. إن الحقيقة هي قاطرة التقدم البشري، ليس الكذب. والحقيقة لن تبقى مدفونة طويلا.

استمر المدافعون عن الرأسمالية، طيلة ثلاثة أجيال، ينفثون حقدهم ضد الاتحاد السوفياتي. ولم يدخروا أي جهد أو شيء في محاولة تشويه صورة ثورة أكتوبر والاقتصاد المخطط المؤمم الذي نتج عنها. وقد شكلت جرائم الستالينية سلاحا فعالا في هذه الحملة. كانت الحيلة تتمثل في الخلط بين الاشتراكية والشيوعية وبين النظام الشمولي البيروقراطي، الذي نشأ بسبب عزلة الثورة في بلد متخلف.

ليس من الصعب فهم سبب كراهية الاتحاد السوفياتي، التي يتقاسمها جميع الذين تتأتى مهنتهم ورواتبهم وأرباحهم من النظام القائم على الريع والفائدة والربح. لا علاقة لتلك المشاعر بالنظام الشمولي الستاليني، فنفس “أصدقاء الديمقراطية” هؤلاء ليس لديهم أي مانع من الإشادة بالأنظمة الديكتاتورية عندما يناسب مصالحهم القيام بذلك. كانت الطبقة الحاكمة البريطانية “الديمقراطية” سعيدة جدا برؤية هتلر يصل إلى السلطة، عندما كان يسحق العمال الألمان ويوجه انتباهه نحو الشرق.

لقد أعرب ونستون تشرشل وممثلون آخرون عن الطبقة الحاكمة البريطانية عن إعجابهم الشديد بموسوليني وفرانكو، وذلك حتى عام 1939. وخلال الفترة التي تلت عام 1945، دعمت “الديمقراطيات” الغربية، وفي المقام الأول الولايات المتحدة الأمريكية، كل الدكتاتوريات الوحشية، ابتداء من سوموزا إلى بينوشيه، ومن المجلس العسكري الأرجنتيني إلى السفاح الإندونيسي سوهارتو، الذي صعد إلى السلطة على جثث مليون شخص، بدعم نشط من طرف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. والآن زعماء الديمقراطيات الغربية يغضون الطرف عن نظام المملكة العربية السعودية الدموي الذي يعذب ويقتل ويجلد ويصلب مواطنيه. إن قائمة هذه الممارسات الوحشية لا حصر لها.

مثل هذه الأنظمة مقبولة تماما، من وجهة نظر الإمبريالية، بما أنها تقوم على الملكية الخاصة للأرض والبنوك والاحتكارات الكبيرة. ولذلك فإن عداءهم الشديد للاتحاد السوفياتي لم يكن قائما على أي مشاعر حب للحرية، بل على المصلحة الطبقية. لم يكونوا يكرهون اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية بسبب ما كان سيئا فيه، بل على وجه التحديد بسبب ما كان إيجابيا وتقدميا. لم يعارضوا دكتاتورية ستالين (بل على العكس من ذلك، لقد خدمتهم جرائم الستالينية بشكل جيد جدا كوسيلة لتشويه اسم الاشتراكية في الغرب)، بل عارضوا أشكال الملكية المؤممة التي كانت كل ما تبقى من مكاسب ثورة أكتوبر.

إن إعادة كتابة التاريخ بهذه الطريقة تذكر المرء بالأساليب القديمة التي استخدمتها البيروقراطية الستالينية، التي قلبت التاريخ على رأسه، وحولت شخصيات بارزة إلى نكرة، أو شيطنتها، كما هو الحال بالنسبة لليون تروتسكي، وعموما جعلت الأسود أبيضا. والكتابات الحالية لأعداء الاشتراكية لا تختلف عن كتابات الستالينيين إلا في أنها تشوه صورة لينين بنفس مشاعر الكراهية العمياء والحقد التي يحتفظ بها الستالينيون لتروتسكي.

بعض أسوء الأمثلة عن هذا النوع موجودة في روسيا. وهذا ليس مفاجئا، لسببين مختلفين: أولا أن هؤلاء الناس قد تربوا في مدرسة التزوير الستالينية، التي تقوم على مبدأ أن الحقيقة ليست سوى أداة في خدمة النخبة الحاكمة. وقد كان الأساتذة وخبراء الاقتصاد والمؤرخون، مع بعض الاستثناءات المشرفة، متعودين على تكييف كتاباتهم مع “الخط” الرسمي. ونفس المثقفين الذين كانوا يكيلون الثناء على تروتسكي، مؤسس الجيش الأحمر وزعيم ثورة أكتوبر، لم يترددوا بعد بضع سنوات عن إدانته باعتباره عميلا لهتلر. ونفس الكتاب الذين تغزلوا في جوزيف ستالين باعتباره “القائد والمعلم العظيم”، سرعان ما قفزوا إلى الجهة الأخرى عندما “اكتشف” نيكيتا خروتشوف “عبادة الشخصية”. إن العادات تموت بصعوبة، وأساليب الدعارة الفكرية هي نفسها، السيد وحده من تغير.

وهناك أيضا سبب آخر منفصل تماما، وهو أن العديد من الرأسماليين في روسيا اليوم، كانوا منذ وقت ليس ببعيد يحملون بطاقة الحزب الشيوعي في جيبهم ويتحدثون باسم “الاشتراكية”. لم يكن لهم، في الواقع، أية علاقة بالاشتراكية أو الشيوعية أو الطبقة العاملة. لقد كانوا جزءا من فئة حاكمة طفيلية عاشت حياة الترف على ظهور العمال السوفياتيين. والآن، وبنفس الكلبية التي ميزتهم دائما، انتقلوا علنا ​​إلى صف الرأسمالية. لكن هذا التحول الخارق لا يمكن تبريره بسهولة. إن هؤلاء الناس يشعرون بالحاجة الملحة لتبرير ارتدادهم من خلال رمي كومة من الروث على ما زعموا بالأمس فقط أنهم كانوا يؤمنون به. وبهذه الوسائل يحاولون ذر الرماد في أعين الجماهير، وفي نفس الحين تهدئة ضمائرهم – على افتراض أنهم يمتلكون شيئا من هذا القبيل. حتى أسوء المجرمين يحب أن يجد بعض المبررات لأعماله.

النظام الذي أنشأته ثورة أكتوبر لم يكن استبداديا ولا بيروقراطيا، بل كان النظام الأكثر ديمقراطية الذي عرفته الإنسانية حتى الآن. لقد ألغت ثورة أكتوبر بشكل جذري الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. وللمرة الأولى في التاريخ أثبتت جدوى الاقتصاد المخطط المؤمم، ليس على صعيد النظرية بل من الناحية العملية. وأثبت في تجربة عملاقة، لم يسبق لها مثيل، ضمت أكثر من سدس الكرة الأرض، أنه من الممكن تسيير المجتمع من دون الرأسماليين وملاك الأراضي والمصرفيين.

في الوقت الحاضر صار من المألوف التقليل من النتائج التي تحققت، أو حتى إنكارها تماما. لكن أدنى اعتبار للحقائق يقودنا إلى نتيجة مختلفة جدا. فبالرغم من كل المشاكل وأوجه القصور والجرائم (التي، بالمناسبة، يزودنا تاريخ الرأسمالية بأمثلة كثيرة جدا عنها)، فإن الاقتصاد المخطط المؤمم في الاتحاد السوفياتي حقق التطور الأكثر إثارة للدهشة، خلال فترة قصيرة جدا من الناحية التاريخية. وهذا ما أثار خوف وأكاذيب الطبقات السائدة في الغرب، وما يجبرهم حتى الآن على إطلاق أكثر الأكاذيب والافتراءات وقاحة حول الماضي (دائما تحت ستار “الموضوعية الأكاديمية” بالطبع).

على البرجوازية أن تدفن بشكل نهائي وإلى الأبد المثل العليا لثورة أكتوبر. ونتيجة لذلك كان انهيار الاتحاد السوفييتي نقطة انطلاق لحملة واسعة من الدعاية ضد إنجازات أنظمة الاقتصاد المخطط في روسيا وأوروبا الشرقية. وقد كان هذا الهجوم الأيديولوجي ضد “الشيوعية” من قبل المنظرين الاستراتيجيين للرأسمال محاولة محسوبة لنفي المكتسبات التاريخية التي نتجت عن الثورة. بالنسبة لهؤلاء السيدات والسادة كانت الثورة الروسية، حتى خلال عام 1917، مجرد انحراف تاريخي. بالنسبة لهم لا يمكن أن يكون هناك سوى شكل واحد من أشكال المجتمع، والرأسمالية، من وجهة نظرهم، كانت موجودة دائما وستبقى كذلك إلى الأبد. ولذلك لا يمكن أبدا أن يكون هناك أي حديث عن مكاسب الاقتصاد المخطط المؤمم. ويقال إن الإحصاءات السوفياتية كانت مجرد مبالغة أو أكاذيب.

“لا يمكن للأرقام أن تكذب، لكن الكذابين يمكنهم أن يستخدموا الأرقام”. كل التقدم الهائل الذي تحقق في مجالات محو الأمية والصحة وتوفير الخدمات الاجتماعية، دفن تحت ركام هائل من الأكاذيب والتشويهات التي تهدف إلى طمس الإنجازات الفعلية التي تحققت في الماضي. بينما تم تضخيم جميع أوجه القصور في الحياة السوفياتية – وهناك الكثير منها- بشكل منهجي مبالغ فيه واستخدمت “لإثبات” أنه ليس هناك بديل للرأسمالية. ويقولون الآن إنه لم يكن هناك تقدم، بل كان هناك تراجع وعوض النهوض كان هناك الانحطاط. يقول المؤرخ الاقتصادي، أليك نوف: «لقد كان مستوى تخلف الاتحاد السوفياتي في الثمانينيات وراء الولايات المتحدة مشابها لما كانت عليه الإمبراطورية الروسية في عام 1913»، وخلص إلى أن «التنقيحات الإحصائية كان لها دور سياسي في نزع الشرعية عن النظام السوفياتي…»[3]

وضد هذه الحملة غير المسبوقة من الأكاذيب والافتراء، من الضروري أن نضع الأمور في نصابها. نحن لا نرغب في إثقال كاهل القارئ بالإحصاءات، لكن ومع ذلك من الضروري أن نظهر بما لا يدع مجالا للشك النجاحات الهائلة للاقتصاد المخطط. على الرغم من الجرائم البشعة التي ارتكبتها البيروقراطية، فإن التقدم الذي لم يسبق له مثيل في الاتحاد السوفياتي لا يمثل إنجازا تاريخيا فحسب، وإنما يمثل، قبل كل شيء، لمحة عن الإمكانات الهائلة الكامنة في الاقتصاد المخطط المؤمم، لا سيما إذا كان يدار على أسس ديمقراطية. وتصير هذه الإمكانات أكثر وضوحا إذا ما قورنت مع أزمة القوى المنتجة للرأسمالية على نطاق عالمي اليوم.

تقدم غير مسبوق

لقد حققت ثورة أكتوبر عام 1917 أكبر تقدم سبق أن عرفته القوى المنتجة في أي بلد في التاريخ. قبل الثورة كان اقتصاد روسيا القيصرية اقتصادا متخلفا للغاية شبه إقطاعي مع غلبة السكان الأميين. ومن بين ساكنة كانت تبلغ ما مجموعه 150 مليون نسمة، كان هناك ما يقرب من أربعة ملايين عامل صناعي فقط. وهذا يعني أنه كان أكثر تخلفا بكثير مما هي عليه باكستان في الوقت الحاضر.

في ظل ظروف التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي المخيفة، شرع نظام الديمقراطية العمالية، الذي أنشأه لينين وتروتسكي، في إنجاز المهمة الضخمة المتمثلة في سحب روسيا من التخلف على أساس الاقتصاد المخطط المؤمم. والنتائج التي تحققت ليست لها سابقة في التاريخ الاقتصادي. في غضون عقدين من الزمن، أنشأت روسيا قاعدة صناعية قوية وطورت الصناعة والعلوم والتكنولوجيا وألغت الأمية. وحققت تقدما ملحوظا في مجالات الصحة والثقافة والتعليم. وكل هذا في الوقت الذي كان فيه العالم الغربي غارقا في البطالة الجماهيرية والانهيار الاقتصادي أثناء الكساد الكبير.

لقد وضعت جدوى النظام الإنتاجي الجديد على محك اختبار صارم خلال أعوام 1941-1945، عندما تعرض الاتحاد السوفياتي للغزو من طرف ألمانيا النازية، التي كانت تمتلك جميع موارد أوروبا تحت تصرفها. وعلى الرغم من خسارة 27 مليون شخص، نجح اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في هزيمة هتلر، وواصل، بعد عام 1945، إعادة بناء اقتصاده المدمر في فترة قصيرة من الزمن، وحول نفسه إلى ثاني أكبر قوة في العالم.

إن مثل هذه التطورات المذهلة في بلد ما يجب أن تدفعنا إلى التفكير. يمكن للمرء أن يتعاطف مع المثل العليا للثورة البلشفية، أو يعارضها، لكن مثل ذلك التطور الرائع، في مثل تلك الفترة القصيرة من الزمن، يفرض على المرء التفكير العميق.

خلال فترة 50 عاما، زاد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية من الناتج المحلي الإجمالي تسع مرات. وعلى الرغم من الدمار الرهيب الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، فقد زاد ناتجه المحلي الإجمالي خمس مرات خلال الفترة من 1945 إلى 1979. في عام 1950، كان الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد السوفياتي يشكل 33% فقط من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، لكن بحلول عام 1979، صارت النسبة 58%. وبحلول أواخر السبعينيات، صار الاتحاد السوفياتي قوة صناعية هائلة، تجاوزت من الناحية المطلقة بالفعل بقية العالم في سلسلة كاملة من القطاعات الرئيسية. وكان اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ثاني أكبر منتج صناعي في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية وكان أكبر منتج للنفط والصلب والاسمنت والحرير الصخري (Asbestos) والجرارات والعديد من الأدوات الآلية.

إلا أن هذه الأرقام لا تعبر عن المدى الكامل للإنجازات التي تحققت، فكل ذلك كان دون بطالة أو تضخم. البطالة كما هي في الغرب لم تكن معروفة في الاتحاد السوفياتي، بل إنها في الواقع كانت من الناحية القانونية جريمة. (المثير للسخرية هو أن هذا القانون ما زال قائما اليوم، على الرغم من أنه لم يعد يعني شيئا). كانت هناك أمثلة عن حالات لاستثناءات أو لأفراد يدخلون في نزاع مع السلطات بسبب حرمانهم من وظائفهم، غير أن هذه الظواهر لا تنبع من طبيعة الاقتصاد المخطط المؤمم، ولا ضرورة لوجودها. لم يكن الاتحاد السوفياتي يعرف البطالة الدورية المصاحبة للرأسمالية أو السرطان العضوي الذي يؤثر الآن على العالم الغربي كله والذي يحكم حاليا على 35 مليون شخص، في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، بحياة العطالة القسرية.

وعلاوة على ذلك، لم يكن هناك سوى تضخم ضئيل أو معدوم في معظم فترة ما بعد الحرب. لقد فهمت البيروقراطية حقيقة تحذير تروتسكي بأن “التضخم هو مرض السيفيليس بالنسبة للاقتصاد المخطط”. بعد الحرب العالمية الثانية كانوا مهتمين معظم الوقت بضمان إبقاء التضخم تحت السيطرة؛ وكان هذا هو الحال بصفة خاصة مع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، فقبل البيريسترويكا (إعادة الإعمار) كانت آخر مرة رفعت فيها أسعار اللحوم والألبان هي عام 1962. ويعود آخر ارتفاع في أسعار الخبز والسكر ومعظم أسعار الأغذية إلى عام 1955. وكانت إيجارات السكن منخفضة للغاية، ولا سيما بالمقارنة مع الغرب حيث كان على معظم العمال دفع ثلث أجرتهم أو أكثر لسداد تكاليف السكن. فقط خلال الفترة الأخيرة، مع فوضى البيريسترويكا، بدأ كل ذلك في الانهيار. ومع الاندفاع نحو اقتصاد السوق شهدت كل من البطالة والتضخم ارتفاعا إلى مستويات لم يسبق لها مثيل.

كانت للاتحاد السوفياتي ميزانية متوازنة، بل وكان يحقق فائضا صغيرا كل عام. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه لم تنجح أي حكومة غربية في تحقيق هذه النتيجة (كما تثبت شروط ماستريخت)، مثلما لم تنجح في تحقيق العمالة الكاملة وغياب التضخم، وهي الأمور التي كانت موجودة في الاتحاد السوفياتي. يصمت نقاد الاتحاد السوفياتي الغربيون عن هذه الحقائق، لأنها تظهر الإمكانيات التي يتضمنها حتى الاقتصاد الانتقالي، ناهيك عن الاشتراكية.

ومن بلد متخلف شبه إقطاعي أمي، في عام 1917، أصبح اقتصاد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية اقتصادا حديثا ومتقدما، يضم ربع علماء العالم، وبنظام صحي وتعليمي مساو أو متفوق على أي شيء موجود في الغرب، وقادر على إطلاق أول قمر صناعي فضائي وإرسال أول إنسان إلى الفضاء. في الثمانينيات كان عدد العلماء في الاتحاد السوفياتي أكثر مما كان عند الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وألمانيا مجتمعين. وفي الآونة الأخيرة فقط اضطر الغرب إلى الاعتراف على مضض بأن برنامج الفضاء السوفياتي كان أكثر تطورا بكثير من نظيره الأمريكي. وحقيقة أن الغرب ما يزال مضطرا لاستخدام الصواريخ الروسية لإرسال الرواد إلى الفضاء دليل كاف على ذلك.

نظر الاشتراكي الطوباوي الفرنسي الكبير فوريي إلى وضع المرأة باعتباره المؤشر الأكثر وضوحا عن تقدم أو تخلف أي نظام اجتماعي. وكانت لمحاولة إدخال الرأسمالية إلى روسيا عواقب وخيمة في هذا الصدد. وجميع المكاسب التي حققتها النساء بفضل الثورة الروسية (والتي بدأت، بالمناسبة، بإضراب لعمال النسيج خلال اليوم العالمي للمرأة) يجري الآن القضاء عليها بصورة منهجية. يظهر الوجه الرجعي للرأسمالية بشكل واضح في وضع المرأة في روسيا.

وضعت الثورة البلشفية الأساس للتحرر الاجتماعي للمرأة، وعلى الرغم من أن الردة السياسية الستالينية شكلت انتكاسة جزئية، فإنه لا يمكن إنكار أن المرأة في الاتحاد السوفياتي قد حققت خطوات هائلة إلى الأمام في الكفاح من أجل المساواة. كتب تروتسكي: «إن ثورة أكتوبر قد أوفت بصدق بالتزاماتها فيما يتعلق بالمرأة. إن الحكومة الشابة لم تعطها فقط جميع الحقوق السياسية والقانونية، على قدم المساواة مع الرجل، ولكن الأكثر أهمية هو أنها فعلت كل ما في وسعها، وعلى أي حال أكثر من أي حكومة أخرى على الإطلاق، لضمان وصولها إلى جميع أشكال النشاط الاقتصادي والثقافي».

كانت ثورة أكتوبر معْلما بارزا في مسار الكفاح من أجل تحرر النساء. قبل ذلك، في ظل النظام القيصري، كانت المرأة تعتبر مجرد ملحقة بالأسرة. كانت القوانين القيصرية تسمح بوضوح للرجل باستخدام العنف ضد زوجته، وفي بعض المناطق الريفية كانت النساء مجبرات على ارتداء الحجاب ومنعن من تعلم القراءة والكتابة. خلال الفترة ما بين عامي 1917 و 1927، صدرت سلسلة كاملة من القوانين تمنح المرأة مساواة رسمية مع الرجل. وأعلن برنامج الحزب الشيوعي عام 1919 بجرأة: «لا يقتصر الحزب على المساواة الرسمية للمرأة، بل يسعى إلى تحريرها من الأعباء المادية، المترتبة عن الأعمال المنزلية، من خلال استبدالها بالمنازل الجماعية والمطاعم العامة والمغاسل المركزية ودور الحضانة، إلخ.»

لم تعد النساء ملزمات بالعيش مع أزوجهن أو مرافقتهم إذا ما كان تغيير الوظيفة يعني تغيير المنزل. منحت لهن حقوق متساوية في أن يكن على رأس الأسرة ويحصلن على أجر متساو. وتم إيلاء الاهتمام لدور المرأة في الإنجاب ووضعت قوانين خاصة للأمومة تحظر العمل لساعات طويلة والعمل الليلي وتحدد إجازة مدفوعة الأجر عند الولادة والإجازات الأسرية ومراكز رعاية الطفل. صار الإجهاض قانونيا في عام 1920، وتم تبسيط مساطر الطلاق واستحداث التسجيل المدني للزواج. كما تم إلغاء مفهوم الأطفال غير الشرعيين. وعلى حد تعبير لينين: «بالمعنى الحرفي، لم نترك لبنة فوق أخرى في القوانين الخسيسة التي وضعت المرأة في حالة من الدونية مقارنة مع الرجال…»

وتم إحراز تقدم ملموس في تيسير المشاركة الكاملة للمرأة في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية – توفير وجبات مدرسية مجانية، توفير الحليب للأطفال ومنح خاصة للتغذية والملابس للأطفال المحتاجين، ومراكز استشارة الحمل، ودور رعاية الأمومة ودور الحضانة وغيرها من المرافق. صحيح أن صعود الستالينية أدى إلى سلسلة من الهجمات على تلك الإصلاحات في المجال الاجتماعي، والتي أثرت بشكل كبير على وضع المرأة. لكن بعد وفاة ستالين، سمح النمو الاقتصادي لفترة ما بعد الحرب بتحسين عام مطرد: التقاعد في 55 سنة، وعدم التمييز في الأجر وشروط العمل، وحق المرأة الحامل في التحول إلى عمل أسهل مع إجازة أمومة مدفوعة الأجر بالكامل قبل 56 يوما من الولادة و56 يوما بعد ولادة الطفل. وألغى تشريع جديد صدر عام 1970 العمل الليلي والعمل تحت الأرض بالنسبة للنساء. وارتفع عدد النساء في التعليم العالي من 28%، من مجموع العاملين، في عام 1927، إلى 43% في عام 1960 وإلى 49% في عام 1970. وكانت البلدان الوحيدة الأخرى في العالم التي شكلت فيها النساء أكثر من 40% من مجموع العاملين في التعليم العالي هي فنلندا وفرنسا والولايات المتحدة.

وكانت هناك تحسينات في الرعاية قبل المدرسية للأطفال: ففي عام 1960 كان هناك 500.000 حضانة، لكن بحلول عام 1971 ارتفع هذا العدد إلى أكثر من خمسة ملايين. وقد انعكست أوجه التقدم الهائلة للاقتصاد المخطط، مع ما ترتب عن ذلك من تحسينات في الرعاية الصحية، في مضاعفة متوسط ​​العمر المتوقع للنساء من 30 إلى 74 سنة وانخفاض معدل وفيات الأطفال بنسبة 90%. وفي عام 1975 ارتفعت نسبة النساء العاملات في التعليم إلى 73% . وبحلول عام 1970 كانت نسبة النساء الممرضات 98%، كما أن 75% من المدرسين و 95% من أمناء المكتبات و 75% من الأطباء كن نساء. وفي عام 1950، كانت هناك 600 دكتورة في مجال العلوم، لكن بحلول عام 1984، ارتفع عددهن إلى 5600 دكتورة.

لكن أدت عودة الرأسمالية إلى تراجع سريع لمكاسب الماضي، مما دفع النساء إلى العودة إلى وضع العبودية المدقع تحت اسم “الأسرة”. ويقع الجزء الأكبر من عبء الأزمة على عاتق النساء.

لماذا انهار الاتحاد السوفياتي

لكن وعلى الرغم من هذه النجاحات الاستثنائية، فقد انهار الاتحاد السوفياتي. والسؤال الذي يجب طرحه هو لماذا حدث ذلك. تفسيرات “الخبراء” الرأسماليين يمكن التنبؤ بها بقدر ما هي جوفاء، فالاشتراكية (أو الشيوعية) فشلت وهذه نهاية القصة. لكن تفسيرات القادة العماليين الإصلاحيين، اليساريين منهم واليمينين، ليست أفضل بكثير. الإصلاحيون اليمينيون، مثلما هي العادة دائما، يرددون فقط آراء الطبقة السائدة. أما من الإصلاحيين اليساريين فلا نحصل إلا على صمت محرج. قادة الأحزاب الشيوعية في الغرب، الذين دعموا بالأمس كل جرائم الستالينية، يحاولون الآن أن ينأوا بأنفسهم عن ذلك النظام سيء السمعة، لكن ليست لديهم إجابة عن أسئلة العمال والشباب الذين يطالبون بتفسيرات جدية.

لقد سبق أن أوضحنا إنجازات الصناعة والعلوم والتكنولوجيا السوفياتية. لكن هناك جانب آخر للصورة. لقد تم استبدال دولة الديمقراطية العمالية التي بناها لينين وتروتسكي بدولة ستالين البيروقراطية المشوهة الوحشية. كان ذلك انحدارا رهيبا يدل على تصفية السلطة السياسية للطبقة العاملة، مع الإبقاء على المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية لثورة أكتوبر، فعلاقات الملكية الجديدة، التي كان أوضح تعبير عنها هو الاقتصاد المخطط، بقيت قائمة.

في عام 1920، كتب تروتسكي كتابا صغيرا بعنوان: “نحو الاشتراكية أو نحو الرأسمالية؟”، وقد كان ذلك دائما هو السؤال الحاسم بالنسبة للاتحاد السوفياتي. كانت الدعاية الرسمية هي أن الاتحاد السوفياتي يتحرك حتما نحو تحقيق الاشتراكية. في الستينيات تفاخر خروتشوف بأن الاشتراكية قد تحققت بالفعل وأن الاتحاد السوفياتي كان على وشك بناء مجتمع شيوعي كامل في غضون عشرين عاما. لكن الحقيقة هي أن الاتحاد السوفياتي كان يسير في اتجاه آخر تماما.

ينبغي أن تؤدي الحركة نحو الاشتراكية إلى تخفيض تدريجي في عدم المساواة. لكن في الاتحاد السوفياتي كان التفاوت يتزايد باستمرار. وانفتحت هوة كبيرة بين الجماهير وبين ملايين من المسؤولين أصحاب الامتيازات وزوجاتهم وأطفالهم بملابسهم الأنيقة وسياراتهم الفارهة وشققهم المريحة. وصار التفاوت أكثر وضوحا لأنه كان يتناقض مع الدعاية الرسمية عن الاشتراكية والشيوعية.

من وجهة نظر الجماهير، لا يمكن اقتصار النجاح الاقتصادي في كمية الصلب والاسمنت والكهرباء التي يتم إنتاجها. تعتمد مستويات المعيشة قبل كل شيء على إنتاج السلع ذات النوعية الجيدة والرخيصة والمتاحة بسهولة: الملابس والأحذية والغذاء والغسالات وأجهزة التلفزيون وما شابه ذلك. لكن في ما يخص هذه المجالات كان الاتحاد السوفياتي متخلفا جدا عن الغرب. لم يكن ذلك ليكون مشكلة كبيرة لولا حقيقة أن بعض الناس كانوا يتمتعون بحق الوصول إلى تلك الأشياء في حين أن الأغلبية كانت محرومة من ذلك.

والسبب في أن الستالينية تمكنت من البقاء لفترة طويلة، بالرغم من كل التناقضات البشعة التي خلقتها، هو بالتحديد تلك المكتسبات الهائلة التي حققها الاقتصاد المخطط طيلة عقود من الزمن. لكن حكم البيروقراطية الخانق أدى إلى الفساد وسوء الإدارة والتخريب والتبذير على نطاق هائل. لقد قوض مكاسب الاقتصاد المخطط. وكلما تطور الاتحاد السوفياتي إلى مستوى أعلى، صارت الآثار السلبية للبيروقراطية أكثر خطورة.

كانت البيروقراطية دائما بمثابة كابح لتطور القوى المنتجة، لكن بينما كان بناء الصناعات الثقيلة مهمة بسيطة نسبيا، فإن تسيير الاقتصاد المتطور الحديث، مع علاقاته المعقدة بين الصناعات الثقيلة والخفيفة والعلوم والتكنولوجيا، لم يعد ممكنا أن تقوم به فئة بيروقراطية دون التسبب في حدوث أعطال خطيرة. وقد فرضت تكاليف الحفاظ على مستويات عالية من الإنفاق العسكري وتكاليف استمرار التحكم في أوروبا الشرقية المزيد من الضغوط على الاقتصاد السوفياتي.

ورغم كل الموارد الضخمة المتاحة لها، والقاعدة الصناعية القوية وجيش التقنيين والعلماء من الدرجة العالية، لم تتمكن البيروقراطية من تحقيق نفس النتائج التي كان الغرب يحققها. وقد تخلف الاتحاد السوفياتي عن الركب في المجالين الحيويين: الإنتاجية ومستويات المعيشة. وكان السبب الرئيسي هو العبء الهائل الذي فرضته البيروقراطية على الاقتصاد السوفياتي: ملايين المسؤولين الجشعين والفاسدين الذين كانوا يسيرون الاتحاد السوفياتي دون أي رقابة من جانب الطبقة العاملة.

ونتيجة لذلك صار الاتحاد السوفياتي يتخلف عن الغرب. لكن طالما استمرت القوى المنتجة في الاتحاد السوفياتي في التطور، كان الاتجاه المؤيد للرأسمالية ضعيفا، إلا أن المأزق الذي تسببت فيه الستالينية حول الوضع تماما. وبحلول أواسط الستينات وصل نظام الاقتصاد المخطط بيروقراطيا إلى حدوده. وقد تم التعبير عن ذلك بشكل واضح من خلال الانخفاض الحاد في معدل النمو في الاتحاد السوفياتي، والذي انخفض باستمرار خلال السبعينيات، واقترب من الصفر في عهد بريجنيف. وبمجرد أن صار الاتحاد السوفياتي عاجزا عن تحقيق نتائج أفضل من الرأسمالية تقرر مصيره.

كانت تلك هي الفترة التي استنتج خلالها تيد غرانت بأن سقوط الستالينية صار أمرا لا مفر منه، وهو التنبؤ الرائع الذي قدمه منذ أوائل عام 1972. كان هذا المصير حتميا من وجهة النظر الماركسية. تفسر الماركسية أن قابلية نظام اقتصادي اجتماعي معين على البقاء تعتمد في نهاية المطاف على قدرته على تطوير القوى المنتجة. في كتاب “روسيا من الثورة إلى الثورة المضادة” يفسر تيد غرانت العملية برمتها بتفصيل كبير، ويظهر كيف أنه في الفترة بعد عام 1965 بدأ معدل نمو الاقتصاد السوفياتي في التباطؤ. بين عامي 1965 و 1970، كان معدل النمو 5,4%. وعلى مدى فترة السنوات السبع التالية، بلغ متوسط ​​معدل النمو بين عامي 1971 و 1978 نسبة 3,7% فقط.

وهذا مقارنة بمتوسط نمو ​​قدره 3,5% للاقتصادات الرأسمالية المتقدمة للبلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وبعبارة أخرى لم يعد معدل النمو في الاتحاد السوفياتي أعلى بكثير من ذلك الذي تحقق في ظل الرأسمالية، وهو وضع كارثي. نتيجة لذلك انخفضت حصة الاتحاد السوفياتي من إجمالي الإنتاج العالمي بشكل فعلي من 12,5% في عام 1960 إلى 12,3% في عام 1979. وفي نفس الفترة، زادت اليابان حصتها من 4,7% إلى 9,2% . كل ثرثرة خروتشوف عن اللحاق بركب أمريكا وتجاوزها تبخرت في الهواء. وفي وقت لاحق استمر معدل النمو في الاتحاد السوفياتي في الانخفاض حتى نهاية عهد بريجنيف، (“فترة الركود” كما سماها غورباتشوف) ووصلت إلى الصفر.

وبمجرد الوصول إلى هذه المرحلة، توقفت البيروقراطية عن لعب الدور التقدمي نسبيا الذي لعبته في الماضي. وكان هذا هو سبب دخول النظام السوفياتي في أزمة. كان تيد غرانت هو الماركسي الوحيد الذي استنتج الخلاصات الضرورية من هذا. لقد أوضح أنه بمجرد ما صار الاتحاد السوفياتي عاجزا عن تحقيق نتائج أفضل من الرأسمالية، صار محكوما عليه بالفناء. وعلى النقيض من ذلك، فإن كل التيارات الأخرى، البرجوازية والستالينية، اعتبرت أنه من المسلم به أن تلك الأنظمة التي كانت تبدو راسخة في روسيا والصين وأوروبا الشرقية ستستمر تقريبا إلى الأبد.

عملت الثورة السياسية المضادة، التي قامت بها البيروقراطية الستالينية في روسيا، على تصفية نظام الديمقراطية العمالية السوفياتية، لكنها لم تدمر علاقات الملكية الجديدة التي خلقتها ثورة أكتوبر. استندت البيروقراطية الحاكمة على الاقتصاد المؤمم والمخطط، ولعبت دورا تقدميا نسبيا في تطوير القوى المنتجة، على الرغم من تكلفة أكبر بثلاثة أضعاف من تكلفة الرأسمالية، مع تبذير هائل وفساد وسوء إدارة، كما أشار تروتسكي حتى قبل الحرب عندما كان الاقتصاد ينمو بنسبة 20% سنويا.

لكن وعلى الرغم من نجاحها، لم تحل الستالينية مشاكل المجتمع. بل إنها، في الواقع، كانت تمثل شذوذا تاريخي وحشيا ونتيجة لتركيبة تاريخية غريبة من الظروف. كان الاتحاد السوفياتي في ظل ستالين مبنيا على تناقض جوهري، كان الاقتصاد المخطط المؤمم متناقضا مع الدولة البيروقراطية. وحتى في فترة المخططات الخماسية الأولى، كان النظام البيروقراطي مسؤولا عن تبذير هائل. لم يختف هذا التناقض مع تطور الاقتصاد، بل، على العكس من ذلك، تفاقم أكثر من أي وقت مضى حتى أدى في نهاية المطاف إلى انهيار النظام بشكل كامل.

صار هذا الآن حقيقة معروفة للجميع. لكن من السهل جدا على المرء أن يتوقع الأحداث بعد وقوعها. بينما من الصعب التنبؤ بالعمليات التاريخية قبل حدوثها، وهذا هو الحال بالتأكيد مع كتابات تيد غرانت الرائعة عن روسيا، والتي رسمت بدقة مسار انحطاط الستالينية وتوقعت نتائجه. في كتاباته فقط حيث يمكن أن نجد تحليلا شاملا لأسباب أزمة النظام البيروقراطي، وهي التي ما تزال حتى اليوم مجهولة بالنسبة لجميع المحللين الآخرين للأحداث التي شهدها الاتحاد السوفياتي سابقا.

كان الأساس الذي استند إليه كتاب “روسيا من الثورة إلى الثورة المضادة” هو التحليل الرائع الذي قام به ليون تروتسكي في تحفته “الثورة المغدورة”، التي كتبها في عام 1936، والتي ما زالت تحتفظ حتى اليوم بكل بريقها وأهميتها. لا يمكن لأي شخص يريد أن يفهم ما حدث في روسيا أن يتجاهل هذا التحليل الماركسي العظيم. ومع ذلك، ولأسباب مفهومة، لم يقدم تروتسكي تحليلا نهائيا وقطعيا للطبيعة الطبقية للدولة السوفياتية، بل ترك المسألة مفتوحة في ما يخص الاتجاه الذي سوف تأخذه في النهاية.

لقد فهم الماركسي الروسي العظيم أن مصير الاتحاد السوفياتي سيحدده صراع القوى الحية، والذي بدوره يرتبط ارتباطا لا ينفصم بالتطورات التي تحدث على نطاق عالمي، وهذه التطورات لا يمكن التنبؤ بها بدقة مسبقا. في الواقع إن النتيجة التي انتهت إليها الحرب العالمية الثانية كان لها أثر حاسم على مصير الاتحاد السوفياتي، وهو ما لم يتوقعه أحد. كتب تروتسكي:

«من المستحيل في الوقت الحالي تقديم أي جواب نهائي ولا جدال فيه عن سؤال في أي اتجاه ستتطور التناقضات الاقتصادية والصراعات الاجتماعية للمجتمع السوفياتي خلال السنوات الثلاث أو الخمس أو العشر المقبلة. إن النتيجة رهينة بصراع القوى الحية في المجتمع ليس فقط على الصعيد الوطني بل وعلى الصعيد الأممي أيضا. وعليه فإنه يجب، خلال كل مرحلة جديدة، إجراء تحليل ملموس للاتجاهات والعلاقات الحقيقية، في ترابطها وتداخلها المتواصل».[4]

كان تروتسكي حريصا على وضع علامة استفهام على مستقبل الدولة السوفياتية. إن توقعه بأن البيروقراطية الستالينية ومن أجل الحفاظ على امتيازاتها “ستسعى حتما في المراحل المقبلة للحصول على سند لنفسها في علاقات الملكية [الرأسمالية]”، قد تبين أنه صحيح تماما. إن المشهد المثير للاشمئزاز لقادة الحزب الشيوعي والمديرين والمسؤولين وهم يمزقون بطاقات حزبهم ويتحولون صراحة إلى “رجال أعمال”، بنفس سهولة انتقال المرء من حجرة إلى أخرى، يبين إلى أي مدى كان النظام الستاليني بعيدا عن الاشتراكية الحقيقية.

لم يكن تروتسكي يتوقع أن يستمر النظام الستاليني في البقاء كل تلك الفترة التي عاشها. صحيح أنه توقع في كتابه الأخير “ستالين” أنه من الممكن أن يستمر ذلك النظام في شكله ذاك لعقود عديدة، لكن الكتاب لم يكن قد اكتمل عندما تعرض للاغتيال، ولم يتمكن من تطوير هذه الفكرة أكثر. خرج الاتحاد السوفياتي من الحرب العالمية الثانية أكثر قوة، والنظام الستاليني، الذي اعتبره تروتسكي انحرافا تاريخيا مؤقتا، ظل قائما على مدى عقود. وكان لهذا أثر عميق على كل شيء، ولا سيما على وعي الجماهير والبيروقراطية نفسها.

كان تروتسكي يأمل في أن تتم الإطاحة بالنظام الستاليني بثورة سياسية تقوم بها الطبقة العاملة. لكنه أكد أنه إذا لم يحدث ذلك فهناك إمكانية أن تؤدي سيرورة الثورة المضادة البيروقراطية، عند نقطة معينة، إلى الإطاحة بعلاقات الملكية التي أنشأتها ثورة أكتوبر:

«تبدأ الثورة المضادة في التحرك عندما تبدأ المكتسبات الاجتماعية التقدمية في التفكك، ولا يبدو أن هناك نهاية لهذا التفكك، إلا أنه ما يزال جزء من مكتسبات الثورة باقيا، وعليه فإنه بالرغم من التشوهات البيروقراطية الوحشية، فإن الأساس الطبقي للاتحاد السوفياتي ما يزال بروليتاريا، لكن دعونا نضع في اعتبارنا أن عملية التفكك ما زالت لم تكتمل بعد، وأن مستقبل أوروبا والعالم خلال العقود القليلة المقبلة لم يتقرر بعد. كان التيرميدور الروسي سيفتح بلا شك حقبة جديدة من الحكم البرجوازي، لو لم يكن هذا الحكم قد عفا عليه الزمن في جميع أنحاء العالم. وعلى أية حال، فإن الصراع ضد المساواة وإقامة تفاوتات اجتماعية عميقة جدا لم يتمكنا حتى الآن من القضاء على الوعي الاشتراكي للجماهير أو على تأميم وسائل الإنتاج والأرض، التي كانت المكتسبات الاشتراكية الأساسية للثورة. وعلى الرغم من أنها تقيد هذه الإنجازات، فإن البيروقراطية لم تغامر بعد باللجوء إلى إعادة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج».[5]

وقد فسر تروتسكي منظور عودة الرأسمالية إلى روسيا وتداعياتها باستشراف رائع منذ عام 1936:

«انهيار النظام السوفياتي سيؤدي حتما إلى انهيار الاقتصاد المخطط، وبالتالي إلغاء ملكية الدولة. والعلاقة الإجبارية بين التروستات والمصانع داخلها سوف تنهار، وسوف تتمكن الشركات الأكثر نجاحا من السير على طريق الاستقلال. وقد تحول نفسها إلى شركات مساهمة، أو قد تجد شكلا انتقاليا آخر من أشكال الملكية، من بينها، على سبيل المثال، إشراك العمال في الأرباح، وستتفكك المزارع الجماعية في نفس الوقت وبسهولة أكبر، وبالتالي فإن سقوط الديكتاتورية البيروقراطية الحالية، إذا لم تحل محلها قوة اشتراكية جديدة، سيعني بالتالي عودة العلاقات الرأسمالية مع تراجع كارثي للصناعة والثقافة”.[6]

ما يثير الإعجاب هو الطريقة الرائعة التي توقع بها تروتسكي الاتجاهات الرئيسية لما حدث فعلا في روسيا. وعلى النقيض تماما من وضوح منهاج تروتسكي نرى الإفلاس النظري والعملي لنظرية “رأسمالية الدولة”، والتي سيطرت، بأشكال مختلفة، على عقول مختلف العصب اليسراوية المتطرفة طيلة عقود. بعد الحرب العالمية الثانية طور تيد غرانت ووسع تحليل تروتسكي حول البونابرتية البروليتارية، وخاصة في “النظرية الماركسية للدولة”، والتي هدمت بشكل شامل فكرة رأسمالية الدولة في روسيا.

وفقا لهذه “النظرية” كان النظام في الاتحاد السوفياتي نظاما رأسماليا بالفعل منذ فترة طويلة. لماذا إذن ينبغي على العمال أن يدافعوا عن الأشكال القديمة لملكية الدولة (رأسمالية الدولة) ضد البرجوازية الوليدة، بما أنه لا يوجد فرق بينهما؟ إن هذا الحجة، التي من شأنها نزع سلاح الطبقة العاملة تماما في مواجهة الثورة الرأسمالية المضادة، هي مثال صارخ عن كيف تؤدي نظرية خاطئة حتما إلى كارثة في الممارسة العملية.

لم تكن لأزمة الستالينية أية نقطة تشابه على الإطلاق مع أزمة الرأسمالية (أو “رأسمالية الدولة”). أزمة الرأسمالية هي نتيجة لفوضى السوق والملكية الخاصة. لكن لم يكن هناك أي مجال لحدوث أزمة فائض الإنتاج في حالة الاتحاد السوفياتي، الذي كان قائما على الاقتصاد المخطط المؤمم، على الرغم من أنه كان يعاني من كل شرور البيروقراطية والفساد وسوء الإدارة.

وإلى ذلك يجب أن نضيف الطابع المحدود للدولة القومية، التي تجاوزت صلاحيتها وأصبحت عبئا هائلا على القوى المنتجة. وهذا ما يفسر لماذا يضطر كل بلد، بما في ذلك القوى العظمى، على المشاركة في السوق العالمية. وكان ماركس قد توقع هذا من قبل. وهذا هو السبب أيضا في أن فكرة الاشتراكية في بلد واحد فكرة طوباوية رجعية.

كاريكاتير الاشتراكية

ما فشل في روسيا وأوروبا الشرقية لم يكن الشيوعية أو الاشتراكية، بالمعنى الذي كان يفهمه ماركس أو لينين، بل كاريكاتير بيروقراطي وشمولي. لقد أوضح لينين أن الحركة نحو الاشتراكية تتطلب الرقابة الديمقراطية على الصناعة والمجتمع والدولة من طرف البروليتاريا. إن الاشتراكية الحقيقية لا تتفق مع حكم نخبة بيروقراطية متميزة، سيصاحبها حتما الفساد الهائل والمحسوبية والتبذير وسوء الإدارة والفوضى.

لقد حققت الاقتصادات المخططة المؤممة في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية نتائج مذهلة في مجالات الصناعة والعلوم والصحة والتعليم، لكن، وكما توقع تروتسكي في وقت مبكر من عام 1936، أدى النظام البيروقراطي في نهاية المطاف إلى تقويض الاقتصاد المخطط المؤمم، وأعدّ الطريق لانهياره وعودة الرأسمالية.

ما هو التقييم الممكن لثورة أكتوبر والتجربة العظيمة في الاقتصاد المخطط الذي أعقبها؟ ما هي الآثار المترتبة عنها بالنسبة لمستقبل البشرية؟ وما هي الاستنتاجات التي ينبغي استخلاصها منها؟ إن الملاحظة الأولى يجب أن تكون بديهية، وهي أنه سواء كنت مؤيدا لثورة أكتوبر أو معارضا لها، فإنه لا يمكن أن يكون هناك أدنى شك على الإطلاق في أن هذا الحدث قد غير مسار تاريخ العالم بطريقة لم يسبق لها مثيل. وقد هيمنت نتائجها على القرن العشرين بأكمله. هذه حقيقة معترف بها حتى من قبل المعلقين الأكثر محافظة وأولئك المعادين لثورة أكتوبر.

وغني عن القول بأن مؤلف هذه المقالة مدافع حازم عن ثورة أكتوبر. إنني أعتبرها أعظم حدث في تاريخ البشرية. لماذا أقول هذا؟ لأن ثورة أكتوبر هي المرة الأولى، إذا استثنينا تجربة كومونة باريس المجيدة لكن القصيرة، حيث قام ملايين الرجال والنساء العاديين وأطاحوا مستغليهم وأخذوا مصيرهم بأيديهم، وبدءوا، على الأقل، مهمة تحويل المجتمع.

وكون أن هذه المهمة قد تم تحويلها، في ظل ظروف محددة، في اتجاهات غير متوقعة من قبل قادة الثورة، لا يبطل أفكار ثورة أكتوبر، كما أنه لا يقلل من أهمية المكاسب الهائلة التي حققها الاتحاد السوفياتي على مدى السنوات السبعين التي تلت ذلك.

سيرد أعداء الاشتراكية بازدراء بأن التجربة انتهت بالفشل. وسنرد نحن بكلمات الفيلسوف الكبير سبينوزا بأن مهمتنا ليست أن نبكي ولا أن نضحك، بل أن نفهم. إلا أن كل محاولات البحث في كتابات البرجوازيين أعداء الاشتراكية عن أي تفسير جدي لما حدث في الاتحاد السوفياتي ستذهب عبثا. إن تحليلاتهم المزعومة تفتقر إلى أي أساس علمي لأنها مدفوعة بالكراهية العمياء التي تعكس مصالح طبقية محددة.

لم تكن البرجوازية الروسية المنحطة، التي ألقيت في مزبلة التاريخ في أكتوبر 1917، هي التي أدخلت روسيا إلى العصر الحديث، بل الاقتصاد المخطط المؤمم هو من قام بذلك: قام ببناء المصانع والطرق والمدارس، وتثقيف الرجال والنساء، وخلق علماء بارزين، وبناء الجيش الذي هزم هتلر، وإرسال أول إنسان إلى الفضاء.

وعلى الرغم من جرائم البيروقراطية، فقد تحول الاتحاد السوفياتي بسرعة من اقتصاد متخلف وشبه إقطاعي إلى بلد صناعي متقدم وحديث. لكن في النهاية لم تكن البيروقراطية راضية عن الثروة الهائلة والامتيازات التي حصلت عليها من خلال نهب الدولة السوفياتية، فانتقلت، كما توقع تروتسكي، إلى معسكر إعادة الرأسمالية، وحولوا أنفسهم من طغمة طفيلية إلى طبقة سائدة.

كانت العودة نحو الرأسمالية تعني خطوة كبيرة إلى الوراء بالنسبة لشعب روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا. دفع المجتمع مرة أخرى إلى الوراء وكان عليه أن يتعلم كل “نِعَمْ” الحضارة الرأسمالية: الدين والبغاء والمخدرات وجميع “بركات” الرأسمالية الأخرى. وفي الوقت الحاضر نجح نظام بوتين في توطيد حكمه. لكن مظاهر القوة التي تبدو عليه مجرد وهم. إن الرأسمالية الروسية، مثلها مثل ذلك الكوخ في الخرافة الروسية، مبنية فوق سيقان الدجاج.

نقطة ضعف الرأسمالية الروسية هي أنها مرتبطة الآن بحبل سري بمصير الرأسمالية العالمية. إنها معرضة لجميع عواصف وضغوط النظام الغارق في أزمته التاريخية. وسيكون لذلك تأثير عميق على روسيا، اقتصاديا وسياسيا على حد سواء. عاجلا أو آجلا سوف يتعافى العمال الروس من آثار الهزيمة وينتقلون إلى الفعل. وعندما سيحدث ذلك سيعيدون بسرعة اكتشاف تقاليد ثورة أكتوبر وأفكار البلشفية الحقيقية. هذا هو السبيل الوحيد للمضي قدما أمام عمال روسيا والعالم أجمع.

[1] : جون ريد: عشرة أيام التي هزت العالم، ص: 10- 11 – الطبعة العربية، ترجمة فواز طرابلسي. منشورات دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت . ط 4-. [مع تدقيق الترجمة اعتمادا على النسخة الانجليزية – المترجم]

[2] : م. ماكولي: الاتحاد السوفياتي 1917-1991، ص: 15 و378.

[3] : أليك نوف، تاريخ اقتصادي للاتحاد السوفييتي، ص: 438.

[4] : ليون تروتسكي: الثورة المغدورة. ص: 49.

[5] : المرجع نفسه، ص: 405-406.

[6] : المرجع نفسه، ص: 250-251.