75 عاما على النكبة: الحرية لفلسطين! الانتفاضة حتى النصر!

ستنظم، في نهاية هذا الأسبوع، احتجاجات في جميع أنحاء العالم لإحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة -أي الكارثة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في سياق انشاء دولة إسرائيل. وفي هذا الصدد نحن نقول: فلنناضل من أجل فدرالية اشتراكية للشرق الأوسط!

[Source]

يمثل الخامس عشر من ماي ذكرى النكبة بالنسبة للفلسطينيين. في هذا اليوم من كل عام يتم إحياء الذكرى والاحتجاج على حملة الإرهاب التي قادتها الجماعات شبه العسكرية الصهيونية كجزء من إعلان دولة إسرائيل عام 1948.

أدى ذلك إلى طرد أكثر من 700.000 فلسطيني من أراضيهم، ومهد الطريق للفوضى التي اجتاحت إسرائيل وفلسطين منذ ذلك الحين.

كان إنشاء إسرائيل نتاج مناورات مشبوهة بين القوى الإمبريالية. وهو ما فتح صندوق باندورا من العنف والإهانات ما يزال حتى اليوم.

بعد مرور 75 عاما ما يزال الرعب مستمرا. أينما نظرت ترى أصداء واضحة للأساليب الوحشية التي استعملتها القوات الصهيونية لإقامة دولة إسرائيل: بدءا من قمع النضال ضد الإخلاء القسري في الشيخ جراح، إلى المذابح في حوارة.

الفلسطينيون المعاصرون محكوم عليهم أن يعيشوا من جديد التجارب المؤلمة التي عاشها أسلافهم. ففي نفس الوقت الذي يُحرم فيه ملايين اللاجئين من حقهم في العودة، يعيش الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلة و”الخط الأخضر” الإسرائيلي محرومين من أي أمل تحت الحذاء الحديدي لدولة إسرائيل الإمبريالية.

لكن هذه الظروف المروعة لم ترعب الجماهير الفلسطينية. إن القمع الغاشم الذي تعتمد عليه جميع أجنحة الطبقة السائدة الإسرائيلية لم يؤد إلا إلى تعزيز عزيمة الجماهير الفلسطينية.

وعلى مر السنين استمر الغضب المتراكم في أوساط الشعب الفلسطيني ينفجر بشكل متكرر على السطح. واندلعت حركات جماهيرية. لكن وعلى الرغم من أن ذلك قد هدأ في الوقت الحالي، فإن المواد القابلة للاشتعال تستمر في التراكم تحت السطح.

يجري الإعداد لاندلاع حريق أكبر بكثير، حريق سينتشر بلا شك كالنار في الهشيم في جميع أنحاء المنطقة.

لقد أصبحت الانتفاضة الجديدة مصدر قلق جدي للطبقة السائدة في إسرائيل. وهي محقة في ذلك. وحده النضال الثوري الجماهيري هو الذي بإمكانه أن يطيح بالدولة الإسرائيلية ويجتث الصهيونية من جذورها.

يجب أن تستهدف تلك الحركة شق المجتمع الإسرائيلي على أسس طبقية، من خلال توجيه نداء ثوري إلى العمال والشباب في جميع أنحاء الشرق الأوسط للتخلص من الرأسمالية والإمبريالية.

لن يكون هناك أي تقدم نحو السلام على أساس الرأسمالية، هذا النظام المتعفن المسؤول عن خلق وتعزيز الانقسام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وحده البرنامج الثوري هو الذي يمكنه أن يوفر ترياقا حقيقيا ضد سموم الاضطهاد القومي، من خلال دق إسفين بين المستغَلين والمضطهَدين وبين عدوهم المشترك: الدولة الصهيونية.

يثبت كل تاريخ المنطقة أن النضالات الثورية قد تمكنت -وستتمكن- من إسقاط الأنظمة، وتغيير المجتمع، وهز الأسس التي يقوم عليها الإمبرياليون.

لا يمكن إيقاف زوبعة الرجعية، التي تدمر حياة الملايين، إلا من خلال انتفاضات ثورية جديدة.

لذا دعونا نكتب هذه الكلمات على رايتنا: من أجل فلسطين حرة! الانتفاضة حتى النصر! من أجل فدرالية اشتراكية في الشرق الأوسط!


75 عاما على النكبة: إسرائيل تواجه أزمة غير مسبوقة

في 14 ماي 1948، تم إعلان قيام دولة إسرائيل. وقد جاء ذلك في أعقاب حملة إرهابية مطولة شنتها المجموعات الصهيونية المسلحة ضد السكان المدنيين الفلسطينيين، مما أسفر عن مقتل الآلاف وطرد 750 ألفا من قراهم ومنازلهم.

يصادف هذا اليوم [14 ماي] ذكرى النكبة الفلسطينية.

خاضت إسرائيل، منذ ذلك الحين، حروبا عديدة، وشنت حملات قمع مستمر للمقاومة الفلسطينية، من أجل ترسيخ سلطتها.

الإصلاح القضائي الذي اقترحه نتنياهو

تبلغ إسرائيل الآن 75 عاما، بينما هي غارقة في أزمة غير مسبوقة.

خلال الأشهر القليلة الماضية، استفزت حكومة نتنياهو -التي هي الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل- أكبر موجة من الاحتجاجات وأكثرها تصميما واستقطابا منذ عقود. فعلى مدى أسابيع، خرج مئات الآلاف من اليهود الإسرائيليين إلى الشوارع ضد الإصلاح القضائي الذي اقترحته الحكومة.

لاقت الحركة الدعم والتشجيع من قبل أقسام هامة من الطبقة السائدة والجيش والقضاء والشركات. مما يعكس عمق الأزمة. بل حتى اتحاد النقابات الصهيونية القوي، الهستدروت، انضم بدوره إلى المظاهرات.

في 27 مارس، أدى إضراب عام، مدعوم من قبل أرباب العمل، إلى قلب الموازين، واضطر نتنياهو إلى التراجع، وأعلن عن “تعليق” الإصلاح القضائي، واضطر أيضا إلى اتخاذ الخطوة المهينة المتمثلة في التراجع عن إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت.

وقد عبر غالانت، في مقابلة صحفية، عن صوت القلق المتصاعد داخل المؤسسة الإسرائيلية، حيث قال:

إن الصدع المتزايد في مجتمعنا يخترق الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية. وهذا يشكل تهديدا واضحا وفوريا وملموسا لأمن الدولة. لن أمد يدي إليه.

كانت إقالته قد حركت عش الدبابير في قلب الدولة الصهيونية، وبين الصهاينة الداعمين لإسرائيل في الولايات المتحدة وعلى الصعيد العالمي.

نرى هنا كيف يمكن لفرد واحد -نتنياهو- أن يلعب مثل هذا الدور في زعزعة التوازن الهش وإضفاء لمسة خاصة على الأزمة فور وقوعها.

ما نراه في إسرائيل اليوم له بعض أوجه التشابه مع ظاهرة الترامبية في الولايات المتحدة. ويمكن أن يخلق في النهاية الظروف لنسخته الخاصة من أعمال الشغب التي شهدها كابيتول هيل في يناير 2021.

بنيامين نتنياهو ليس شخصية جديدة في الحياة السياسة الإسرائيلية. إنه أكثر شخص شغل منصب رئيس الوزراء منذ قيام إسرائيل.

لقد مر، طيلة عقود، عبر بحر متلاطم من الاضطرابات والفضائح المتعددة، لكنه نجح دائما، حتى الآن، في الانتصار على أعدائه. ومع ذلك فهو الآن متورط بشكل أكيد في العديد من فضائح الفساد. لكنه مصمم على الاستمرار أو جر أعدائه معه إلى القاع.

مشكلة الطبقة السائدة في إسرائيل هي أنها فقدت السيطرة على الحزب التقليدي لليمين الصهيوني، أي حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو.

وهذا ما يشبه قنبلة موقوتة موضوعة في أساسات النظام. ولهذا فإن الصراع الذي نشأ على خلفية قانون الإصلاح القضائي له تداعيات معقدة، ولا يمكن حلها بسهولة.

اليمين اليهودي العنصري المتطرف

إن الصعود السريع لإيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش في الحياة السياسة الإسرائيلية الرسمية ليس بالأمر التافه.

بن غفير، الذي فاز بمقعده في الكنيست عام 2021، هو زعيم الجبهة القومية اليهودية، خليفة حزب كاخ العنصري اليهودي.

كان حزب كاخ قد تم حظره، في عام 1994، لكونه منظمة إرهابية، بعد أن قام باروخ غولدشتاين، وهو أمريكي إسرائيلي من كاخ، بإطلاق النار على 800 مسلم فلسطيني كانوا يصلون، مما أسفر عن مقتل 29 وإصابة 125.

بعدها تعرض للضرب حتى الموت على يد الناجين، لكنه ما يزال يمثل بطلا شخصيا لبن غفير. وكان بن غفير بدوره قد تعرض للعزل من الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي بسبب آرائه العنصرية المتطرفة، ولأنه كان يحضر بانتظام تجمعات المستوطنين المسلحين في القدس الشرقية.

أما منافسه، بتسلئيل سموتريتش، فيقود الحزب الصهيوني الديني (تكوما). سموتريتش مستوطن طالما عبّر عن آرائه العنصرية علنا، وعارض الزيجات المختلطة، ودافع عن الفصل بين النساء العربيات واليهوديات في أجنحة الولادة.

وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2021، قال للبرلمانيين العرب: “أنتم هنا عن طريق الخطأ، ومن الخطأ أن بن غوريون لم يكمل المهمة ولم يطردكم في عام 1948”.

إن البرنامج الحقيقي لليهود العنصريين في الواقع هو: التسبب في نكبة جديدة وطرد الفلسطينيين من كامل فلسطين التاريخية.

موقف خطير

إلى حدود شهر أكتوبر لم يكن نتنياهو (مثله مثل جميع السياسيين الصهاينة الرئيسيين) ليقترب من شخصيات مثل بن غفير أو سموتريتش، ولا أن يشاركهم المنصة.

والآن صاروا الشخصيات الرئيسية في حكومته. بن غفير هو وزير الأمن القومي، وسموتريتش هو وزير المالية المكلف بإدارة الضفة الغربية المحتلة.

لكن لماذا يمثل الدور البارز للعنصريين اليهود في الحكومة وجذورهم بين المستوطنين مشكلة كبيرة لأمن إسرائيل والطبقة السائدة؟

قد يكون هناك خلاف بين صفوف الحركة الصهيونية حول الأساليب التي ينهجها اليمين المتطرف، لكنهم جميعا يتفقون مع هدف إسرائيل الكبرى. لطالما كان القمع ضد الفلسطيني وتهجيرهم جوهر سياسة الحركة الصهيونية.

غير أن الرأسماليين الإسرائيليين يدركون الهشاشة الاستراتيجية لإسرائيل.

تعتمد قوتهم وأمنهم على دعم الإمبريالية الأمريكية. كما تعتمد على الدعم القوي من جانب السكان اليهود الإسرائيليين والشبكة الصهيونية العالمية. كل ذلك يتم تقويضه بسبب ممارسات حركة المستوطنين واستفزازات اليمين المتطرف التي خرجت عن السيطرة.

لا يستطيع نتنياهو، لأسباب واضحة، إغضاب اليمين المتطرف، الذي اعتبر التراجع عن الإصلاح القضائي بمثابة خيانة.

وفي إحدى حركاته المسرحية المعتادة، قام بإنشاء الحرس الوطني، وهو حلم طال انتظاره من طرف اليمين المتطرف.

ستكون مهمة الحرس الوطني مراقبة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر (حدود عام 1948). وبن غفير يطالب بوضعها تحت قيادته شخصيا.

الاستفزازات

إن طريقة نتنياهو في التخلص من الأزمة تمهد الطريق لاندلاع أزمة أكبر.

وقد حذر رئيس الشرطة، كوبي شبتاي، من أن تشكيل “حرس وطني منفصل عن جهاز الشرطة سيؤدي إلى حدوث صدامات بين القوات”.

سوف يوفر الحرس الوطني غطاء قانونيا لعنف اليمين المتطرف ويمكن أن يتسبب في عواقب وخيمة للغاية، ليس أقلها إثارة انتفاضة فلسطينية جديدة.

لقد اقترب الوضع بالفعل من ذلك في أوائل أبريل، عندما تزامن رمضان مع عيد الفصح اليهودي، واشتدت استفزازات اليمين المتطرف وبن غفير ومختلف جماعات جبل الهيكل المتعصبة.

طيلة ليلتين متتاليتين اقتحمت شرطة الاحتلال المسجد الأقصى، عند منتصف الليل، وألقت قنابل الصوت، واستخدمت الهراوات والرصاص المطاطي، لاعتقال الفلسطينيين الذين زعمت أنهم “تحصنوا” خلف أبواب المسجد.

وكما هي العادة فقد انضمت وسائل الإعلام العالمية إلى الجوقة، داعية “الجانبين” لوقف تصعيد العنف. لكن مقاطع الفيديو تظهر قصة مختلفة.

هناك شيء واحد واضح للغاية، وهو أن الطبقة السائدة في إسرائيل منقسمة بشدة. والأحداث تأخذ زخما يجعل من الصعب على الرأسماليين رأب التصدعات كما كانوا يفعلون في الماضي.

يتردد صدى هذه الانقسامات على الصعيد العالمي ويقوض بشكل خطير وحدة الشبكة العالمية الحيوية للدعم الصهيوني. وجه عدد من الصهاينة الأمريكيين البارزين انتقادات حادة للحكومة، حتى أنهم قاموا بمقاطعة زيارة سموتريتش إلى الولايات المتحدة.

كما أن الشباب اليهودي عالميا بدأ يتقزز بشكل متزايد من ممارسات إسرائيل. وبدأ يحدث تحول كبير نحو فهم طبيعة إسرائيل باعتبارها نظاما قمعيا.

الفوضى والصهيونية “الليبرالية”

كتب إنجلز في عام 1874 ما يلي: “إن الشعب الذي يضطهِد غيره لا يمكنه أن يحرر نفسه. والقوة التي يستخدمها لقمع الآخرين تنقلب في الأخير ضده”.

كانت هذه الكلمات الرائعة صحيحة عند تطبيقها على القمع الروسي للشعب البولندي قبل مائة وخمسين عاما. وهي الآن أكثر ملاءمة لوصف إسرائيل اليوم.

سبب الفوضى من وجهة نظر الصهيونية الليبرالية هو بالطبع الاحتلال واضطهاد الفلسطينيين. وقد كان لها تأثير واضح حتى على الحركات الجماهيرية الكبيرة مثل الحركة المناهضة للإصلاحات القضائية.

لم ير الفلسطينيون الإسرائيليون أي جدوى من الدفاع عن “ديمقراطية” تمارس التمييز ضدهم بشكل منهجي. وذلك العدد القليل من الذين حاولوا الانضمام إلى المظاهرات، وطرح مطالبهم الخاصة، تم صدهم بشدة وإقصاؤهم من قبل المنظمين الصهاينة.

تمت الموافقة بشكل رسمي على الطابع العنصري والقمعي لدولة إسرائيل بموجب قانون الدولة القومية لليهود الذي أقره نتنياهو في يوليوز 2018، والذي تخلى عن التظاهر بأن إسرائيل دولة علمانية.

كما يتم باستمرار انتهاك مبدأ المساواة أمام القانون لقمع الفلسطينيين، مما يزيد من صعوبة الدفاع عن الدولة الإسرائيلية والحفاظ على التظاهر بعدم وجود أي علاقة لها مع العنصريين اليهود.

السبب الآخر للفوضى هو أن الاحتلال لا يؤثر على الفلسطينيين فحسب، بل يؤثر أيضا على ظروف الطبقة العاملة الإسرائيلية. فعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية، شهدت إسرائيل زيادة هائلة في اللامساواة.

في عام 1992، كان أغنى 10% من السكان يمتلكون 27% من الدخل القومي، بينما كان أفقر 10% من السكان يمتلكون 2.8%. ومنذ ذلك الحين ازدادت اللامساواة بشكل كبير.

في عام 2022، حصل 50% من السكان الموجودين في قاع الهرم على 13% من إجمالي الدخل القومي، في حين أن 10% من السكان الموجودين في الأعلى حصلوا على نسبة مذهلة بلغت 49%.

لقد وفر اضطهاد الفلسطينيين أفضل الظروف للرأسماليين من أجل استغلال الطبقة العاملة المقسمة.

30 سنة بعد أوسلو

تجدر الإشارة إلى أن هذا العام يصادف أيضا الذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاقات أوسلو، لعام 1993، بين زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، اسحاق رابين.

كانت مصافحتهما أمام الكاميرات في البيت الأبيض، وتقاسمهما لجائزة نوبل للسلام، بمثابة الكرزة على كعكة “النظام العالمي الجديد”، نظام “السلام” و”الرخاء” الذي بشرت به الإمبريالية الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

لكن اليوم إذا أراد أي شخص الاحتفال بمرور ثلاثين عاما على اتفاقيات أوسلو، وهو أمر بعيد الاحتمال، فإنه لن يكون مبتهجا للغاية.

أعلنت تلك الاتفاقات ميلاد السلطة الفلسطينية. وفي المقابل ضمنت منظمة التحرير الفلسطينية نهاية المقاومة، والتزمت بفرض نظام تقوم فيه بضبط شعبها نيابة عن إسرائيل.

وكما سبق للماركسيين أن حذروا في ذلك الوقت، فقد كانت اتفاقيات أوسلو فخا مشؤوما دخلته القيادة الفلسطينية طواعية.

ليس للسلطة الفلسطينية أي استمرارية ترابية، فهي مقسمة إلى 165 “جزيرة” فلسطينية تخضع لإدارة مدنية كلية أو جزئية من قبل السلطة الفلسطينية، إضافة إلى منطقة متجاورة (تمثل 60% من الأراضي) تخضع للاحتلال الإسرائيلي المباشر.

إسرائيل هي من تقرر كمية الكهرباء والماء والإمدادات الطبية، وتعمل باستمرار على خنق أي تطور محتمل. بل إن إسرائيل تعمل حتى على جمع عائدات الجمارك نيابة عن السلطة الفلسطينية، لكنها ترفض تحويل تلك الأموال إلى الفلسطينيين.

إلا أن الوضع في غزة المحاصرة أسوأ بكثير. ففي ما يعتبر حقا سجنا ضخما في الهواء الطلق تحت سيطرة كل من إسرائيل ومصر، يعيش 53% من السكان تحت خط الفقر. الغارات والتفجيرات الإسرائيلية تدمر بشكل دوري البنية التحتية المتناثرة وتمنع إصلاحها.

والسلطة الفلسطينية مفلسة. والعمال المضربون -بمن فيهم 20000 معلم- للمطالبة بأجورهم المتأخرة، يشلون الخدمات العامة الهزيلة أصلا، في حين أن الخصاص يؤدي إلى تفاقم الفساد وسوء توزيع الموارد القليلة المتاحة.

حركة المستوطنين في حالة سعار

أصبحت السلطة الفلسطينية، اليوم، في حالة مزرية وتحتضر في ظل التوسع المستمر للمستوطنات اليهودية غير الشرعية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

في وقت اتفاقات أوسلو، كان عدد المستوطنين حوالي 250.000، بما في ذلك في القدس الشرقية. لكن اعتبارا من فبراير 2023، بلغ العدد الإجمالي أكثر من 500 ألف مستوطن في الضفة الغربية، بالإضافة إلى 220 ألف مستوطن في القدس الشرقية.

وكل بؤرة استيطانية جديدة تجلب معها المزيد من الجنود الإسرائيليين الذين يتم نشرهم لحماية المستوطنين، في حين تقام المئات من نقاط التفتيش فتجعل حياة الفلسطينيين جحيما.

تم إنشاء البنية التحتية لدعم المستوطنين، وتمكينهم من الحصول على مياه أكثر بعشرين مرة، وبسعر أقل، بينما يعاني الفلسطينيون من نقص في المياه. وأقيمت الجدران “للدفاع” عن تلك المستوطنات. وتم تدمير الممتلكات الفلسطينية المجاورة لها “لأسباب أمنية”. والمستوطنون يكثفون هجماتهم ويشعرون بالدعم من جانب الحكومة.

حركة المستوطنين، مثلها مثل وحش فرانكشتاين، اكتسبت حياة خاصة بها وصارت تزرع الديناميت في أساسات إسرائيل.

في 26 فبراير، اقتحم مئات المستوطنين قرية حوارة الفلسطينية في الضفة الغربية، في ساعة متأخرة من الليل، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة 100 آخرين وإشعال النيران في المدينة. وكان سموتريش، الحاكم الفعلي للضفة الغربية، قد أشاد بالهجوم.

الجيش الإسرائيلي بدوره يكثف حملة القتل خارج نطاق القانون ضد الشباب الفلسطينيين الذين يناضلون ضد الاحتلال. ويشمل ذلك المداهمات والقنص وعمليات الإعدام من قبل الكومندو الإسرائيليين بملابس مدنية، وحتى زرع عبوات ناسفة في المركبات.

في ماي 2022، أصيبت مراسلة قناة الجزيرة، الأمريكية-الفلسطينية البارزة، شيرين أبو عاقلة، برصاص قناصة إسرائيليين في رأسها أثناء تغطيتها للأحداث في مخيم جنين للاجئين.

وأثناء الجنازة التي حضرها آلاف الفلسطينيين، هاجم ضباط الشرطة الإسرائيلية المشيعين الذين كانوا يحملون نعشها من المستشفى في القدس الشرقية، بل وعملوا على اقتحام المستشفى نفسه، حيث قامت الشرطة بدوس المرضى وإلقاء قنابل الصوت، مما أدى إلى إصابة الطاقم الطبي.

هذه فقط بعض الأمثلة على نمط أوسع بكثير من القمع المنهجي الوحشي الذي تمارسه القوات الإسرائيلية.

ليس هذا سوى جزء صغير من أنواع الإذلال اليومي: مصادرة الهوية عند نقاط التفتيش؛ التوقيف والتفتيش؛ قتل أصدقاء وعائلات المقاتلين الفلسطينيين؛ الاعتقالات والاحتجاز الجماعي إلى أجل غير مسمى والذي يمكن أن يستمر لسنوات دون محاكمة.

لكن الشيء الوحيد الذي تحققه إسرائيل بكل هذا هو زيادة تصميم الشباب على محاربة احتلال لا ينتهي.

تصاعد المقاومة الفلسطينية

المستوطنون المتعصبون مصممون على غزو كل شبر مما يرونه أرضهم التي منحها لهم الحق الالهي. لقد أصبحوا القوات الصدامية لليمين الصهيوني المتطرف.

وفي المقابل لم يتبق للشباب الفلسطينيين ما يخسرونه، وهم مصممون على عدم الاستسلام للترهيب. بعضهم مستعد لدفع أرواحهم، وغالبا ما يفعلون ذلك. لم يتبق لهم، للأسف، أي بديل، حيث أن قيادة السلطة الفلسطينية تقف إلى جانب المحتلين.

السلطة الفلسطينية تضاعف، في الواقع، من قمعها للمقاومة، حيث عزز مسؤولو السلطة الفلسطينية التعاون مع إسرائيل في مجال المراقبة، وقاموا بتدريب 5000 ضابط أمن للسلطة الفلسطينية في الأردن.

لقد انتشر التشاؤم تجاه السلطة الفلسطينية على نطاق واسع لدرجة أن 52% من الفلسطينيين أعلنوا في استطلاع أخير أن انهيار السلطة أو تفككها سيكون في مصلحتهم.

انفضح إفلاس قيادتي منظمة التحرير الفلسطينية وفتح أثناء الحركة الجماهيرية ضد قصف غزة عام 2021، التي أدت إلى الإضراب العام الفلسطيني في 18 ماي.

شهدت انتفاضة الوحدة نضالا فلسطينيا موحدا عبر غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، بمن في ذلك الفلسطينيين الإسرائيليين.

ومنذ ذلك الحين شنت إسرائيل موجة من القمع ضد الشباب، حيث تم اعتقال 7000 شخص في عام 2022 وحده. أما في جنين فمن بين 136 فلسطينيا قتلوا في العقد الماضي، قتل 106 خلال الأشهر الـ 27 الماضية فقط.

وبدءا من مخيمات اللاجئين، شكل الشباب مجموعات دفاع مسلحة موحدة، بغض النظر عن ولاءاتهم السياسية، لمقاومة الاحتلال والدفاع عن المخيمات.

لم تلعب منظمة التحرير الفلسطينية أي دور في كل هذا، فتلك النضالات كان يقودها الشباب.

النضال من أجل الثورة

هذه مجرد لقطات افتتاحية لأزمة أكبر بكثير، هي أشد أزمة واجهتها إسرائيل منذ عقود.

تنفتح انقسامات حادة في الطبقة السائدة الصهيونية، مما يقوض دعمها الخارجي. إن أولويات الإمبريالية الأمريكية تتغير، حيث تشتت انتباهها بالحرب في أوكرانيا وتزايد الاحتكاك مع الصين.

كما أن الدور الذي لعبته الصين في التوسط في صفقة بين العدوين اللدودين، السعودية وإيران، لا بد أن يكون له تأثير على علاقة القوى في المنطقة، مما سيخلق الضغط على إسرائيل.

يؤدي ارتفاع اللامساواة والتضخم إلى ضرب مستويات معيشة العمال الإسرائيليين، وتكشف لهم الهوة التي توجد بينهم وبين الرأسماليين.

تختمر الأزمات والحركات الثورية في كل الشرق الأوسط، وانتفاضة جديدة ستفضح نظام الاحتلال وتهزه من أساسه.

دولة إسرائيل، اليوم، هي حليف موثوق للولايات المتحدة. إنها ركيزة أساسية للرجعية الإمبريالية في الشرق الأوسط، على الرغم من أن سياسات نتنياهو تقوض ذلك.

إنها دولة رأسمالية قوية، يقوم فيها حكم البرجوازية الصهيونية على أساس قمع الشعب الفلسطيني، بدعم من الإداريين البرجوازيين الصغار للسلطة الفلسطينية المنهارة.

هذه هي سلسلة القهر التي يجب كسرها. وهو ما لا يمكن أن يحدث إلا كجزء من حركة أوسع للإطاحة بالرأسمالية في المنطقة.

لا يمكن القضاء بشكل نهائي على اضطهاد الفلسطينيين إلا بإنشاء فدرالية اشتراكية للشرق الأوسط -كخطوة أولى نحو بناء فدرالية اشتراكية عالمية.

يمكن للاقتصاد المخطط ديمقراطيا أن يوفر الموارد اللازمة لضمان حياة أفضل لجميع شعوب المنطقة، ويضع الأساس المادي للتحرر الحقيقي للفلسطينيين واليهود وجميع شعوب الشرق الأوسط، والقضاء على الكابوس الإمبريالي الحالي.