السودان: سقط البشير فلتسقط الرأسمالية

اليوم، 11 أبريل، وبعد أزيد من أربعة أشهر من الحراك الثوري المتواصل، تمكن الشعب السوداني من إسقاط الجنرال البشير، الذي حكم السودان بيد من حديد طيلة ثلاثين سنة. إنه انتصار مهم ليس للشعب السوداني وحده، بل لعموم شعوب المنطقة والعالم أجمع، رغم أنه ليس سوى خطوة أولى في مسيرة ثورية لا بد أن تنتهي بإسقاط النظام ككل وليس الإطاحة برمز واحد من رموزه فقط.

[Source]

وبالتزامن مع إعلان خبر سقوط البشير، أصدرت المؤسسة العسكرية بيانا تضمن مجموعة من النقاط على رأسها : "تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى إدارة حكم البلاد لفترة انتقالية مدتها عامين"، مع "إعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وحظر التجول لمدة شهر من الساعة العاشرة مساء إلى الرابعة صباحا".

بهذا البيان الفضيحة، تثبت تلك الضباع المسعورة أن لديها شيء من حس الدعابة، فبعدما نهشت اللحم الحي للشعب السوداني طيلة عقود، وقتلت خلال الأشهر الأربعة الماضية ما لا يقل عن 52 شهيدا ناهيك عن 300 جريح، ها هي تطلب من العمال والشباب أن يعودوا صفر اليدين إلى المنازل ويقبلوا مجددا بالحكم العسكري وأحكام الطوارئ لمدة سنتين كاملتين، مقابل وعد بأنهم سينعمون، بعد ذلك، بالديمقراطية وحقوق الانسان والسعادة الأبدية وأشياء كثيرة أخرى!!

طبعا لم تنطل هذه المناورة الوقحة على الشعب السوداني، الذي يعرف من تجربته التاريخية ومن تجارب الحركات الثورية التي عرفتها المنطقة خلال السنوات الأخيرة، أن الوقوف بالثورة في منتصف الطريق لا يؤدي إلا إلى المآسي والهزائم. إذ لم تتوقف الاحتجاجات، بل زادت كفاحية واتساعا، وعبر المحتجون في كل أنحاء السودان عن إصرارهم على إكمال الثورة حتى إسقاط النظام كله.

إن الطبقة السائدة مرعوبة والدولة عاجزة، والمجلس العسكري، في الوقت الحالي، ليس سوى قشرة فارغة لا يمتلك السلطة حتى على المؤسسة العسكرية نفسها. لكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. فإذا لم يتم اسقاطهم وبناء نظام بديل، سيتمكنون، عاجلا أو آجلا، بهذا الشكل أو ذاك، من استعادة المبادرة والقيام بهجوم مضاد.

السلطة الحقيقية موجودة اليوم في الشوارع والمصانع، وفي مقدور العمال والفلاحين الفقراء التقاطها واستعمالها لإسقاط النظام كله، ما ينقصهم هو الوعي بهذه القدرة والتنظيم الضروري لتحقيق ذلك.

هنا يأتي دور المنظمات العمالية (تجمع النقابات المهنية والحزب الشيوعي) والمثقفين الثوريين، الذين عليهم جميعا أن يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية في هذه الفترة الحرجة. يجب الآن عدم الاكتفاء بأن نطالب بالديمقراطية والحرية والخبز، بل يجب الانتقال إلى انتزاعها بالقوة.

لقد اندلعت الثورة من أجل مطالب محددة حيوية ومستعجلة، لا بد من تلبيتها بدون تأخير. لم تخرج تلك الملايين من المتظاهرين طيلة أشهر متحدين القمع والتقتيل من أجل الحصول على وعود وكلمات. لقد خرجوا من أجل الحصول على الشغل والصحة والتعليم والحرية، الخ، ولا معنى للحديث عن الثورة دون تحقيق هذه المطالب.

لكن هل يمكن تحقيق الديمقراطية! نعم، يمكن ذلك بالتأكيد! كيف؟ عبر مبادرة الجماهير، بمعية منظماتها الجماهيرية، إلى تشكيل دولة من نوع جديد، تقوم على مجالس شعبية منتخبة في كل الأحياء الفقيرة والمصانع والثكنات العسكرية والقرى، والتنسيق بينها على الصعيد المحلي والجهوي والوطني، بمنتخبين مسؤولين أمام الجماهير ويمكن محاسبتهم وعزلهم من طرف من انتخبوهم في كل حين.

هل يمكن القضاء على البطالة! بالطبع يمكن ذلك! كيف؟ يمكن ذلك من خلال إجراءات ثورية عاجلة على رأسها تقسيم ساعات العمل المتوفرة اجتماعيا على جميع القادرين على العمل، مع الإبقاء على نفس الأجر بل والزيادة فيه، إذ لا معنى لأن يشتغل البعض ساعات طويلة مضنية، بينما يبقى البعض الآخر عاطلين وطاقات مهدورة. لا معنى لأن يشتغل عامل 10 ساعات أو 12 ساعة تدمره ذهنيا وجسديا، في حين هناك من لا يجد فرصة شغل ويعيش فريسة للتشرد والجوع.

هل يمكن القضاء على الفقر والجوع؟ نعم يمكن ذلك بدون أي شك! كيف؟ لا بد من الرفع الفوري في الأجور لكي تصير كافية لتلبية حاجيات العمال في العيش الكريم والثقافة والترفيه، لا بد من إلغاء ديون الأسر العمالية والفلاحين الفقراء، كما يتوجب إنجاز ثورة زراعية تحقق مطلب إعطاء الأرض لمن يزرعها. وبالطبع لتحقيق هذه الإجراءات لا بد من مصادرة كبريات الشركات والأبناك والقطاعات الاقتصادية الحيوية ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية للمجالس العمالية، من أجل تطبيق تخطيط عقلاني للإنتاج والتوزيع بحيث يلبي حاجات أغلبية المجتمع.

إن عمال العالم بأسره ينظرون بعطف واهتمام إلى ما يقوم به العمال والشباب السودانيون، فإذا تمكنت الثورة السودانية من تحقيق هذه المهام العاجلة، ستشكل مصدر إلهام ومثالا يحتذى لعمال وشباب المنطقة والقارة ككل، فتفتح الباب أمام اندلاع ثورات عمالية أخرى في مصر واثيوبيا والجزائر وغيرها من بلدان القارة، ثورات ستقضي أخيرا على الرأسمالية والتبعية والحروب والمجاعات وتبني الولايات الاشتراكية الإفريقية المتحدة.