بيان التيار الماركسي الأممي حول الثورة العربية

لقد أظهرت الثورات الأخيرة في الجزائر والسودان، وتجدد الاحتجاجات في مصر، ونتائج الانتخابات الرئاسية في تونس، أنه لم يتم حل أي من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى ثورة 2010- 2011، تلك الثورة التي كانت مصدر إلهام للعمال والشباب في كل مكان. فقد هزت كل بلدان الشرق الأوسط من أساساتها ووصلت ارتداداتها إلى جميع أنحاء العالم. نعيد نشر بيان التيار الماركسي الأممي، الذي كتب خلال الموجة الأولى لتلك الثورة، الذي ما زال يحافظ على راهنيته فهو يوضح موقف الماركسيين من مختلف القضايا المرتبطة بالثورة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والشعارات التي يطرحونها لكي يدفعوا بالثورة إلى الأمام حتى تحقيق مهامها كاملة.

[Source]

إن ما نشهده أمامنا هو افتتاح المراحل الأولى للثورة الاشتراكية العالمية. وسوف تنطلق نفس السيرورة العامة في جميع أنحاء العالم وإن بإيقاعات مختلفة. ستكون هناك حتما فترات صعود وهبوط، وكذلك هزائم وانتصارات، وخيبات أمل، وكذا نجاحات. يجب علينا أن نكون مستعدين لذلك. لكن الاتجاه العام سيكون في اتجاه تسارع أعظم للصراع الطبقي على النطاق العالمي.

إن الحركة الرائعة للجماهير في تونس ومصر ليست سوى البداية. لقد صارت التطورات الثورية على رأس جدول الأعمال ولا يمكن لأي بلد أن يعتبر نفسه في مأمن من السيرورة العامة. إن الثورات في العالم العربي هي تعبير عن أزمة الرأسمالية على الصعيد العالمي. وتظهر لنا الأحداث في تونس ومصر مستقبل البلدان الرأسمالية المتقدمة كما تظهر الصورة في المرآة.

تونس

كانت تونس تبدو البلد العربي الأكثر استقرارا. كان اقتصادها مزدهرا وكان المستثمرون الأجانب يجنون أرباحا ضخمة. كان الرئيس زين العابدين بن علي يحكم بقبضة من حديد. وكان كل شي يبدو وكأنه يسير إلى الأفضل في أفضل العوالم الرأسمالية الممكنة.

يقتصر نظر المحللين البرجوازيين على سطح الأحداث ولا يرون السيرورات التي تجري في أعماق المجتمع. ولهذا لم يتمكنوا من رؤية السيرورات التي تجري في شمال أفريقيا. لقد أنكروا أية إمكانية لحدوث الثورة في تونس. والآن يقدم جميع الاستراتيجيين والاقتصاديين والأكاديميين و”الخبراء” البرجوازيين الدليل على حيرتهم.

اشتعلت البلاد بعد قيام الشاب العاطل عن العمل محمد البوعزيزي بإحراق نفسه. سبق لهيغل أن أشار إلى أن الضرورة تعبر عن نفسها من خلال الصدفة. لم تكن هذه هي حالة الانتحار الوحيدة التي يقوم بها شاب عاطل عن العمل ويائس في تونس. لكن في هذه المرة كانت لها آثار غير متوقعة. حيث اندفعت الجماهير إلى الشوارع وأشعلت الثورة.

كان أول رد فعل قام به النظام هو محاولة سحق الانتفاضة بالقوة. وعندما لم ينجح هذا الخيار، لجأ إلى تقديم التنازلات، والتي لم تؤد إلا إلى صب البنزين على النار. فقمع البوليس الوحشي لم يوقف الجماهير. ولم يلجئ النظام إلى استخدام الجيش لأنه لم يكن في مقدوره استخدامه. إذ أن اشتباكا داميا واحدا كان سيحول الجيش إلى أشلاء.

شنت الطبقة العاملة التونسية موجة من الإضرابات الجهوية المتواصلة، والتي توجت بإضراب وطني. عند هذه النقطة اضطر بن علي إلى الفرار نحو السعودية. وقد كان هذا أول انتصار للثورة العربية. وهو ما غير كل شيء.

عندما هرب بن علي، حدث هناك فراغ في السلطة كان لا بد أن يملئ من قبل اللجان الثورية. تمكنت هذه اللجان من أخذ السلطة على الصعيد المحلي وفي بعض الأماكن على الصعيد الجهوي أيضا. ففي الرديف، في الحوض المنجمي، لم تكن هناك أية سلطة أخرى غير سلطة النقابات. أحرق مركز الشرطة، وفر القاضي، وتم الاستيلاء على مقر بلدية المدينة من طرف الفرع المحلي للنقابة، التي جعلت منه مقرا لها. كانت تعقد الاجتماعات الجماهيرية في الساحة الرئيسية وكان قادة النقابة يخاطبون الشعب بانتظام. وشكلوا لجانا لتسيير أمور النقل، والنظام العام، والخدمات المحلية وغيرها.

لم تكن الجماهير راضية بالانتصار الأولي الذي حققته كما أنها لم تهدأ. وقد خرجوا بأعداد هائلة للاحتجاج في الشوارع ضد كل محاولات إعادة النظام القديم تحت اسم آخر. كل الأحزاب القديمة فقدت مصداقيتها تماما. وعندما حاول الغنوشي تعيين ولاّت جدد في الجهات، رفضهم الشعب. خرج مئات الآلاف للتظاهر فصار من الضروري إقالتهم.

في تونس لم تبرد حمم الثورة بعد. العمال يطالبون بمصادرة ثروة عائلة بن علي. وبالنظر إلى أنها كانت تسيطر على قطاعات واسعة من الاقتصاد، فإن هذا يشكل تحديا مباشرا لسيادة الطبقة الرأسمالية في تونس. إن مصادرة ممتلكات زمرة بن علي مطلب اشتراكي.

قام العمال التونسيون بطرد المدراء الفاسدين. دعت حركة 14 يناير اليسارية إلى عقد جمعية وطنية للجان الثورية. إنه مطلب صحيح لكن لم تتخذ لحد الآن أي خطوة ملموسة لتنفيذه. وبالرغم من غياب القيادة ما زالت الثورة تواصل تقدمها بخطوات عملاقة، حيث أسقطت الغنوشي ورفعت الحركة إلى آفاق جديدة. يجب أن يكون شعارنا هو:

ثورة حتى النصر!

الثورة المصرية

لقد فتحت تونس باب الثورة العربية، لكنها بلد صغير على هامش المنطقة المغاربية. لكن مصر، على العكس من ذلك، بلد كبير يضم 82 مليون نسمة، ويقف في قلب العالم العربي. وقد أظهرت طبقتها العاملة الكثيرة العدد والمكافحة طبيعتها الثورية خلال مناسبات كثيرة. لقد كانت الثورة المصرية بلا شك انعكاسا لتأثير الثورة التونسية، لكنها كانت أيضا نتيجة لعوامل أخرى: ارتفاع نسبة البطالة، وانخفاض مستويات المعيشة، والكراهية تجاه حكومة فاسدة وقمعية.

لعبت تونس دور المحفز. لكن المحفز يمكن أن يعمل فقط عندما تكون كافة الشروط الضرورية موجودة. لقد أظهرت الثورة التونسية ما الذي يمكن تحقيقه. لكن سيكون من الخاطئ تماما أن نفترض أن هذا هو السبب الوحيد، أو حتى السبب الرئيسي. لقد نضجت بالفعل الظروف لحدوث انفجار ثوري في جميع هذه البلدان. كل ما كان مطلوبا هو شرارة واحدة لإشعال برميل البارود. وقد وفرتها تونس.

أظهرت الحركة في مصر البطولة المذهلة للجماهير. ولم تستخدم قوات القمع الرصاص ضد المظاهرات الرئيسية خوفا من تكرار السيناريو التونسي. تصور النظام أنه سيكون كافيا، كما في الماضي، قمع بعض القادة. لكن ذلك لم يكن كافيا. فالمزاج قد تغير. لقد تغير الكم إلى كيف. تم التخلص من الخوف القديم. وهذه المرة لم يكن الناس بل رجال الشرطة هم الذين اضطروا إلى الفرار.

أدى هذا مباشرة إلى احتلال ميدان التحرير. فأرسل النظام الجيش، لكن الجنود تآخوا مع الجماهير. يتألف الجيش المصري من المجندين. الجنرالات فيه وأصحاب الرتب العليا فاسدون. إنهم جزء من النظام، لكن القواعد ينحدرون من صفوف العمال والفلاحين الفقراء. وينحدر الضباط الصغار والمتوسطون من بين صفوف الطبقة الوسطى وهم منفتحون على ضغوط الجماهير.

طالبت أحزاب المعارضة بالإصلاحات، بما في ذلك حل البرلمان المشكل في شهر دجنبر الماضي بعد انتخابات مزورة، وإجراء انتخابات جديدة، والتزام الرئيس مبارك بعدم الترشح لا هو ولا ابنه في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في شتنبر المقبل. لكن القيادة في الواقع كانت متخلفة جدا عن الجماهير. لقد تجاوزت الحركة بكثير هذه المطالب. فالشعب الثوري لم يقبل بأي شيء أقل من الرحيل الفوري للرئيس مبارك وتفكيك كامل لنظامه.

إن المتظاهرين الذين ابتدئوا بمطالب أولية مثل وضع حد لقوانين الطوارئ، وطرد وزير الداخلية، والرفع من الحد الأدنى للأجور، والذين شجعهم تكاثر أعدادهم رفعوا سقف شعاراتهم إلى مستوى أعلى وأكثر ثورية: “يسقط مبارك!”، “الشعب يريد إسقاط النظام!”، أو ببساطة: “ارحل!”، وبهذه الطريقة، ارتفع الوعي الثوري للجماهير بطفرات سريعة.

الدولة والثورة

من غير المجدي محاولة تفسير ما يجري في مصر وتونس دون نقاش الدور المركزي للجماهير، التي كانت القوة المحركة للأحداث من البداية حتى النهاية. يحاول “الخبراء” البرجوازيون والبرجوازيون الصغار الآن التقليل من أهمية العمل الذي تقوم به الجماهير. إنهم يرون فقط ما يحدث في القمة. بالنسبة لهم ليست المسألة سوى “انقلاب”، سوى “استيلاء للجيش على السلطة”. نفس المؤرخين البرجوازيين يؤكدون لنا أن الثورة البلشفية سنة 1917 “لم تكن سوى انقلاب”. إنهم غير قادرين على النظر إلى التاريخ في وجهه، وهم بدلا من ذلك مفتونون بالنظر إليه من الخلف.

إن تحليلهم “العميق” سطحي بالمعنى الحرفي للكلمة. بالنسبة للفلاسفة البرجوازيين عموما كل شيء موجود في مظاهره الخارجية فقط. إنها أشبه بمحاولة فهم حركة الأمواج دون تكبد عناء دراسة التيارات المحيطية العميقة. وحتى بعد أن استولت الجماهير على شوارع القاهرة، بقيت هيلاري كلينتون مصرة على أن مصر مستقرة. استندت في تحليلها على أن الدولة وأجهزتها القمعية ما تزال سليمة، لكنها في غضون أسبوعين صارت هباء.

لا يشكل وجود أجهزة قوية للقمع ضمانة ضد الثورة، وربما يكون عكس ذلك تماما. في ظل الديمقراطية البرجوازية تمتلك الطبقة الحاكمة بعض صمامات الأمان التي يمكن أن تحذرها عندما يبدأ الوضع في الخروج عن نطاق السيطرة. لكن في ظل نظام ديكتاتوري أو استبدادي ليست هناك فرصة للشعب للتعبير عن مشاعره داخل إطار النظام السياسي. لذلك يمكن أن تحدث الانفجارات فجأة، دون سابق إنذار، وتتخذ على الفور شكلا جذريا.

تشكل القوات المسلحة القاعدة الرئيسية للنظام القديم. لكنه مثل أي جيش آخر يعكس ما يحدث في المجتمع، ويقع تحت تأثير الجماهير. إنه من الناحية النظرية قوة هائلة. لكن الجيوش تتكون من البشر، وهي تخضع لنفس الضغوط التي تخضع لها أي شريحة اجتماعية وأي مؤسسة أخرى. وفي لحظة الحقيقة، لم يكن في مستطاع لا مبارك ولا بن علي استخدام الجيش ضد الشعب.

لا تشبه جيوش العديد من الدول العربية جيوش دول العالم الرأسمالي المتقدم. إنها، في التحليل الأخير، جيوش للرأسمالية، هيئات مسلحة من الرجال للدفاع عن الملكية الخاصة، لكنها في نفس الوقت نتيجة للنضال ضد الاستعمار. بالطبع تمثل قيادات الجيش مصالح الطبقات السائدة. لكن وكما رأينا في مصر فإن المجندين العاديين والضباط من المراتب الدنيا أقرب إلى الشعب العامل، وفي ظل نهوض ثوري يمكنهم أن ينتقلوا إلى صفوف الثورة. لقد سبق لنا أن رأينا هذا مع انقلاب عبد الناصر في 1952.

تسببت الثورة في حدوث أزمة داخل جهاز الدولة. تزايدت التوترات بين الجيش والشرطة وبين الشرطة والمحتجين. وهذا هو السبب في أن مجلس الجيش قرر في النهاية التخلص من مبارك. كان الجيش يهتز بوضوح بفعل الأحداث وظهرت علامات التصدع داخله تحت ضغط الجماهير. كانت هناك حالات لوضع الضباط لأسلحتهم والانضمام إلى المتظاهرين في ميدان التحرير. في ظل هذه الظروف لم تعد هناك أي إمكانية لاستخدام الجيش ضد الشعب الثوري.

دور البروليتاريا

خلال الأسبوعين الأولين كانت السلطة في الشوارع. لكن قادة الحركة الذين أخذوا السلطة في الشوارع، لم يعرفوا ماذا يفعلون بها. كانت الفكرة القائلة بأن كل ما نحتاجه هو جمع عدد كبير من الناس في ميدان التحرير خطأ جسيما. فهي أولا، تترك مسألة سلطة الدولة خارج الحسابات، لكنها المسألة المركزية التي تقرر جميع المسائل الأخرى. ثانيا، كانت إستراتيجية سلبية، في حين أن المطلوب كان هو إستراتيجية إيجابية وهجومية.

في تونس، أجبرت المظاهرات الجماهيرية الحاشدة بن علي على الفرار إلى المنفى وأطاحت بالحزب الحاكم. وقد أقنع هذا الكثير من المصريين بأن نظامهم قد يكون بمثل تلك الهشاشة. لكن المشكلة هي أن مبارك رفض الرحيل. وبالرغم من كل الجهود والشجاعة الخارقة من جانب المحتجين فإن المظاهرات عجزت عن الإطاحة بمبارك. إن المظاهرات الجماهيرية مهمة لأنها وسيلة لإيقاظ الجماهير التي كانت خاملة سابقا، ومنحها شعورا بقوتها. لكن لم يكن في إمكان الحركة أن تنجح ما لم ترق إلى مستوى جديد وأعلى. وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا من طرف الطبقة العاملة.

انعكست صحوة البروليتاريا في موجة من الإضرابات والاحتجاجات خلال السنوات الأخيرة. وقد كانت هذه أحد العوامل الرئيسية التي أعدت للثورة. وهي أيضا مفتاح نجاحها في المستقبل. شكل الدخول الرائع للبروليتاريا المصرية إلى مسرح التاريخ نقطة تحول في مصير الثورة. كان هذا هو ما أنقذ الثورة وأدى إلى الإطاحة بمبارك. ففي كل المدن الواحدة منها بعد الأخرى نظم عمال مصر إضرابات وعمليات احتلال للمصانع. وطردوا المديرين المكروهين والقادة النقابيين الفاسدين.

انتقلت الثورة إلى مستوى أعلى. وتحولت من مظاهرة إلى انتفاضة وطنية. ما هو الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه من هذا؟ يمكننا أن نستخلص فقط ما يلي: ن النضال من أجل الديمقراطية سينتصر فقط إذا ما قادته البروليتاريا أي: ملايين العمال الذين ينتجون ثروات المجتمع، والذين دون إذنهم لا يمكن لأي مصباح أن يضيء، ولا لهاتف أن يرن ولا لعجلة أن تدور.

صحوة الأمة المصرية

ليست للماركسية أي علاقة مع الحتمية الاقتصادية. إن معدلات البطالة العالية والفقر قضايا متفجرة. لكن كان هناك شيء آخر في المعادلة الثورية: شيء أكثر مراوغة، ولا يمكن قياسه كميا، لكنه ليس سببا للاستياء أقل قوة من الحرمان المادي. إنه الشعور العميق بالإهانة في قلوب وعقول شعب عريق ونبيل استعبد واضطهد من قبل الامبريالية على مدى أجيال.

يسود نفس الشعور العام بالإذلال بين جميع شعوب العالم العربي، المستعبدين والمظلومين من قبل الامبريالية طيلة أكثر من مائة سنة، والخاضعين للإملاءات، أولا من قبل القوى الأوروبية، ثم من قبل العملاق الموجود على الجانب الآخر من الأطلسي. يمكن لهذا الشعور أن يعبر عن نفسه بشكل مشوه عبر الأصولية الإسلامية التي ترفض كل شيء غربي باعتباره شرا. لكن صعود الإسلاميين في السنوات الأخيرة لم يكن سوى تعبير عن فشل اليسار في تقديم بديل اشتراكي حقيقي للمشاكل الملحة لجماهير العالم العربي.

خلال سنوات الخمسينات والستينات أثار حلم جمال عبد الناصر بالاشتراكية العربية والوحدة العربية آمال الجماهير في كل مكان من العالم العربي. صارت مصر منارة للأمل بالنسبة لجماهير العالم العربي المظلومة والمضطهدة. لكن عبد الناصر لم يحمل برنامجه إلى نهايته المنطقية وفي ظل أنور السادات انقلب مساره. أصبحت مصر أداة طيعة لخدمة سياسة الولايات المتحدة. وخلال العقود الثلاثة من حكم مبارك تضاعف هذا الاتجاه آلاف المرات. كان مبارك أداة في يد الولايات المتحدة وإسرائيل وخان القضية الفلسطينية دون خجل.

خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية انطبع مزاج جماهير العالم العربي بخيبة الأمل والهزائم والإذلال. لكن الآن تحولت عجلة التاريخ بـ 180 درجة وكل شيء يتغير. إن فكرة الثورة لها معنى ملموسا جدا في العالم العربي اليوم. إنها تستولي على عقول الملايين وصارت قوة مادية. والأفكار التي كانت ترتبط بضعة أشخاص فقط صارت تقنع الآن وتعبئ الملايين.

إن الثورات مدرسة عظيمة. إنها تضع جميع التيارات على محك الاختبار. فبين ليلة وضحاها كنس سيل الثورة أفكار الإرهاب الفردي والأصولية الإسلامية جانبا. لقد أيقظت الثورة الأفكار الشبه المنسية. إنها تعد بالعودة إلى التقاليد القديمة للاشتراكية والقومية العربية، التي لم تختف أبدا بشكل كامل من الوعي الشعبي. وليس من قبيل الصدفة أن يجري إحياء أغاني المقاومة القديمة. وقد ظهرت صور عبد الناصر في المظاهرات.

إننا نشهد نهضة عربية جديدة. ويجري صقل وعي جديد في خضم النضال. إن المطالب الديمقراطية أساسية بالنسبة للشعب في ظل مثل هذه الظروف. والشعب الذي كان مستعبدا لفترة طويلة يقوم أخيرا ويلقي جانبا العقلية القديمة السلبية والقدرية، ويرفع هامته عاليا.

يمكن للمرء أن يرى نفس السيرورة في كل إضراب، لأن الإضراب يشبه ثورة مصغرة، بينما تمثل الثورة إضرابا للمجتمع كله ضد مضطهديه. وبمجرد ما يصيرون نشطاء يعيد الرجال والنساء اكتشاف كرامتهم الإنسانية. إنهم يبدأون في أخذ مصيرهم بأيديهم، ويطالبون بحقوقهم: نحن نطالب بأن نعامل باحترام. هذا هو جوهر كل ثورة حقيقية.

ترفع الثورة الوعي إلى مستوى أعلى. إنها تسحب البساط من تحت أقدام الرجعيين الذين خدعوا الجماهير وأربكوا وعيها بسموم الأصولية الدينية. وبالرغم من الدعاية الكاذبة للامبريالية، فإن الإسلاميين لم يلعبوا سوى دور هزيل أو معدوم في الثورة في تونس ومصر. إن الثورة تحتقر الطائفية. إنها تقطع مع جميع الاختلافات وتوحد الرجال والنساء، الصغار والكبار، المسلمين والمسيحيين.

تقطع الحركة الثورية مع الاختلاف بين الأديان، والاختلاف بين الجنسين. إنها تدفع بالمرأة العربية للخروج إلى الشوارع للنضال إلى جانب رجالهن. إنها تقطع مع كل الانقسامات القومية والعرقية واللغوية. إنها تدافع عن الأقليات المضطهدة. إنها تجمع بين كل القوى الحية للأمة العربية وتوحدهم في الكفاح المشترك. إنها تمكن الشعب الثوري من النهوض على رجليه، واستعادة كرامته ويسعد بحريته. ويمكن للرجال والنساء أن يرفعوا هاماتهم عاليا ويقولون بفخر: “لن نبق عبيدا”.

حدود العفوية

جاءت الثورة في تونس ومصر من تحت. لم تكن منظمة من قبل أي من الأحزاب السياسية القائمة أو القادة. أغلبهم بقي متخلفا بعيدا وراء حركة لم يتوقعوها، ولم يستعدوا لها مطلقا. لو أن هناك درس واحدا يمكن استخلاصه من تجربة الثورة المصرية، فإنه سيكون: لا يمكن للشعب الثوري أن يثق إلا في نفسه: لا تثقوا إلا في قوتكم، وفي تضامنكم، وشجاعتكم، وتنظيمكم.

عندما ننظر إلى مصر فإن المقارنة التاريخية التي تتبادر فورا إلى الذهن هي برشلونة سنة 1936. حيث هاجم العمال بدون أي حزب، ولا قيادة، ولا برنامج ولا خطة، الثكنات بشجاعة عظيمة وسحقوا الفاشيين. لقد أنقذوا الوضع وكان في إمكانهم حسم السلطة. لكن السؤال هو على وجه التحديد: لماذا لم يحسموا السلطة؟ الجواب هو غياب القيادة. أو بعبارة أصح لقد تخلى عنهم زعماء الكنفدرالية الوطنية للشغل الفوضويون الذين وضع العمال فيهم ثقتهم. من الضروري على كل من لديه أوهام بخصوص الفوضوية أن يدرس تاريخ الثورة الإسبانية!

للوهلة الأولى تبدو التحركات التي شهدتها تونس ومصر وكأنها ثورة عفوية بدون أي منظمة أو قيادة. لكن هذا غير صحيح. فالحركة لم تكن عفوية إلا جزئيا فقط. لقد تمت الدعوة لها من طرف بعض الجماعات والأفراد. وكان لها قادة اتخذوا المبادرات، ووضعوا الشعارات ودعوا إلى المظاهرات والإضرابات.

وضع الكثير من التركيز على دور الشبكات الاجتماعية مثل الفيس بوك وتويتر في تونس ومصر (وقبل ذلك في إيران). ليس هناك من شك في أن التكنولوجيا الجديدة قد لعبت دورا مفيدا للغاية للثوريين وجعلت من المستحيل على دول مثل مصر الإبقاء على احتكار المعلومات التي تمتعت بها في الماضي. لكن أولئك الذين يبالغون في تقدير الجانب التكنولوجي البحت للمسألة إنما يشوهون الجوهر الحقيقي للثورة، أي دور الجماهير والطبقة العاملة بشكل خاص. ذلك لأنهم يرغبون في تصوير الثورة بوصفها قضية للطبقة الوسطى أساسا، بقيادة حصرية من قبل المثقفين وهواة الانترنت. إن هذا خاطئ تماما.

في المقام الأول، فقط نسبة صغيرة من السكان هي التي تمتلك القدرة على الوصول إلى الإنترنت. وثانيا، قام النظام عمليا بقطع الإنترنت وتعطيل خدمات الهاتف المحمول. لكن هذا لم يمنع الحركة ولو لدقيقة واحدة. وحتى بدون الإنترنت والهواتف النقالة قام الشعب بتنظيم مظاهرات عبر استخدام تقنية قديمة جدا، وهي الخطب. نفس التقنية استخدمت لإشعال الثورة الفرنسية والثورة الروسية، التي لم تكن لسوء الحظ تستطيع الاستفادة من الفايسبوك أو التويتر، لكنها قامت بعمل جيد على أي حال. وقد لعبت قناة الجزيرة دورا أكبر من الفايسبوك، ومكنت ملايين الناس من مشاهدة الأحداث وهي تقع يوما بعد يوم، ساعة بساعة.

كما سبق لنا أن رأينا ليس من الصحيح القول بأن الثورة المصرية كانت بدون قادة. لقد كان لها نوع من القيادة منذ البداية. وكانت تتألف من تحالف فضفاض بين أكثر من عشرة أحزاب صغيرة ومجموعات مناضلة. كانوا هم الذين أصدروا نداء على الفايسبوك إلى تنظيم “يوم الغضب” ليتزامن مع عيد الشرطة يوم 25 يناير. قام حوالي 80.000 مصري من متصفحي الانترنت بتوقيعه، متعهدين بالتظاهر في الشوارع للتعبير عن مطالب الإصلاح.

في كل من تونس ومصر نظمت المظاهرات في البداية من طرف مجموعات من الناس معظمهم من الشباب وفروا القيادة التي عجزت أحزاب المعارضة “الرسمية” عن توفيرها. تشير الايكونوميست إلى «ظهور مجموعات فضفاضة تضغط في سبيل الإصلاح، موجهة عن طريق شبكة الإنترنت من جانب شبان ذوي مواقف علمانية عموما، لكن بدون إيديولوجية محددة. بعضهم يدافع عن حقوق العمال، بينما يدافع البعض الآخر عن تعزيز حقوق الإنسان أو عن الحرية الأكاديمية».

لقد نفذت هذه الإجراءات من قبل أقلية حاسمة وبالتالي فإنها لم تكن عفوية بحتة. لكن هذا كان مجرد الجزء الظاهر من جبل جليد ضخم جدا. فقد كان تعاطف الجماهير إلى جانب المحتجين. تحول الاحتجاج الوطني إلى انتفاضة عامة ضد نظام مبارك، مع احتجاجات متزامنة واسعة في جميع أنحاء مصر. وبالتالي فإنه في الواقع، كانت هناك نوع من القيادة، رغم أنها لم تكن تمتلك أفكار جد واضحة. ومع ذلك، ففي كل من تونس ومصر أخذت استجابة الجماهير المنظمين على حين غرة. لا احد من المنظمين كان يتوقع الأعداد الهائلة التي استجابت للدعوة، كما لم يكونوا يتوقعون أن تسمح لهم قوات القمع بالذهاب بعيدا.

لقد وفرت الطبيعة “العفوية” للاحتجاجات حماية معينة ضد الدولة، وبهذا المعنى فإنها كانت إيجابية. لكن عدم وجود قيادة مناسبة يشكل أيضا نقطة ضعف خطيرة لها آثار سلبية جدا لاحقا.

إن نجاح الجماهير في كلتا الحالتين في الإطاحة ببن علي ومبارك، بدون مساعدة من قيادة واعية، شهادة بليغة على الإمكانات الثورية الهائلة التي تختزنها الطبقة العاملة في جميع البلدان. لكن هذا القول لا يحل كل جوانب المسألة قيد النظر. لقد اتضح ضعف الحركة العفوية المحضة في إيران، حيث وبالرغم من البطولة العظيمة التي أبانت عنها الجماهير، فإن الثورة انتهت بالهزيمة – على الأقل في الوقت الحاضر.

إن الحجة القائلة بأنه “لسنا بحاجة إلى القادة” لا تحتمل أدنى محاولة تمحيص. فحتى في إضراب لنصف ساعة في مصنع تكون هناك دائما قيادة. فالعمال سينتخبون أشخاصا من بينهم لتمثيلهم وتنظيم الإضراب. وأولئك الذين يتم انتخابهم ليسو عناصر عرضية، بل يكونون غالبا من العمال الأكثر شجاعة وخبرة وذكاء. ويتم اختيارهم على هذا الأساس.

القيادة مهمة، والحزب مهم. ويمكن لطفل صغير أن يفهم هذا الموقف، الذي يشكل ألف باء الماركسية. لكن بعد الألف باء هناك أحرف أخرى. هناك بعض ممن يسمون أنفسهم ماركسيين يتصورون أنه ما لم يوجد هناك حزب ماركسي لقيادة البروليتاريا، وحتى يوجد مثل هذا الحزب، فإنه لن تكون هناك أي ثورة. ليس لهذا التحذلق السخيف أي علاقة مع الماركسية. إن الثورة لا تندلع بشكل منظم وبحزب ثوري يقود الجماهير بهراوة.

سنة 1917 قال لينين إن الطبقة العاملة هي دائما أكثر ثورية بكثير حتى من أكثر الأحزاب ثورية. وقد أثبتت تجربة الثورة الروسية انه كان على صواب. دعونا نذكر أنفسنا بأنه في أبريل 1917 كان على لينين أن يوجه نداء مباشرا إلى العمال متجاوزا اللجنة المركزية البلشفية، التي تبنت موقفا محافظا حيال مسألة الثورة البروليتارية في روسيا.

ويمكن ملاحظة نفس العقلية المحافظة، ونفس عدم الثقة الأرستقراطية في الجماهير، في كثير من أولئك الذين يعتبرون أنفسهم “طليعة” الطبقة، لكن الذين يلعبون عمليا دور مكسري الحركة في اللحظة الحاسمة. ويكفي لنا أن نشير إلى الدور المؤسف الذي قامت به “الطليعة” القديمة في إيران، الذين نجوا من ثورة 1979، لكن الذين وقفوا بمعزل عن الجماهير الثورية التي خرجت إلى الشوارع بالملايين لتحدي النظام سنة 2009.

هل يقول الماركسيون إنه ما لم يتم بناء الحزب الثوري وحتى يتم بناءه، ويكون في قيادة الطبقة العاملة، فإن الثورة مستحيلة؟ كلا، إننا لم نقل أبدا مثل هذا الشيء. فالثورة تسير وفقا لقوانينها الخاصة، والتي تتطور بشكل مستقل عن إرادة الثوار. تحدث الثورة عندما تتوفر كل الشروط الموضوعية. لا يمكن للجماهير أن تنتظر حتى يتم بناء الحزب الثوري. لكن وبمجرد ما تتوفر كل الظروف الموضوعية، تصير القيادة مسألة حاسمة جدا. ويحدد وجودها في الكثير من الحالات الفرق بين النصر والهزيمة.

الثورة هي صراع للقوى الحية. والنصر ليس محددا سلفا. في الواقع كانت الثورة المصرية عند نقطة معينة قريبة جدا من الهزيمة. من الناحية التكتيكية لم يكن البقاء في ميدان التحرير هو الخيار الأفضل. وكان ذلك يظهر محدودية النظرة عند المنظمين. كاد مبارك أن يهزم الحركة، حيث قام بشراء بعض الفئات، وعبئ بلطجية البروليتاريا الرثة للقيام بهجمات شرسة. كان يمكنه أن ينجح. وحده التدخل الحاسم للجماهير، وخصوصا تدخل الطبقة العاملة، هو من حال دون الهزيمة.

مشكلة القيادة

لا تكون لدا الجماهير أبدا خطة جاهزة في بداية الثورة. إنها تتعلم من خلال النضال. قد لا تعرف بالضبط ماذا تريد، لكنها تعرف جيدا ما لا تريد. وهذا كاف لدفع الحركة إلى الأمام.

إن القيادة عنصر هام جدا في الحرب. هذا لا يعني أنها العنصر الوحيد. فحتى أبرع القادة لا يمكنهم أن يضمنوا النصر إذا كانت الشروط الموضوعية غير مواتية. وأحيانا يكون من الممكن كسب معركة بجنرالات سيئين. في الثورة، التي هي أسمى تعبير عن الحرب بين الطبقات، تمتلك الطبقة العاملة مزايا الكم العددي وسيطرتها على المفاتيح الرئيسية للأجهزة الإنتاجية في المجتمع. لكن الطبقة الحاكمة تمتلك العديد من المزايا الأخرى.

إن الدولة جهاز للحفاظ على ديكتاتورية أقلية من المستغِلين على الأغلبية المستغَلة. كما تمتلك الطبقة الحاكمة بين يديها العديد من الأدوات القوية الأخرى: الصحافة والإذاعة والتلفزيون، والمدارس والجامعات، وبيروقراطية الدولة، وكذلك البيروقراطية الروحية بل وحتى البوليس في المساجد والكنائس. وهي بالإضافة إلى ذلك تمتلك جيشا من المستشارين المحترفين والسياسيين والاقتصاديين وغيرهم من المتخصصين في فنون التلاعب والخداع.

من أجل مكافحة جهاز القمع هذا، الذي تم بناؤها وتحسينه على مدى عقود كثيرة، يتوجب على الطبقة العاملة أن تطور منظماتها الخاصة، بتوجيه من قيادة تمتلك الخبرة والتصميم، واستوعبت دروس التاريخ ومستعدة لكافة الاحتمالات. إن القول بأنه من الممكن هزيمة الطبقة الحاكمة ودولتها من دون تنظيم وقيادة، يشبه دعوة جيش لخوض معركة بدون تدريب وبدون استعداد، في مواجهة جيش محترف بقيادة ضباط من ذوي الخبرة.

في معظم الحالات، سينتهي مثل هذا الصراع إلى الهزيمة. لكن حتى ولو نجحت الثورة في التغلب على العدو في الجولة الأولى، فإنه لن يكون كافيا لضمان النصر في نهاية المطاف. فالعدو سوف يعيد تجميع صفوفه، وإعادة تنظيم نفسه وتعديل تكتيكاته، وسيستعد للقيام بهجوم مضاد، وهو ما ستكون له نتائج أكثر خطورة لأن الجماهير تكون قد أقنعت بأن الانتصار في الحرب قد تم تحقيقه بالفعل. وبالتالي فإن ما كان يبدو في البداية وكأنه لحظة انتصار وفرح يتبين أنه لحظة خطر شديد على مصير الثورة، وانعدام قيادة ملائمة في مثل هذه الحالات سوف يكون كعب أخيل، سيكون نقطة ضعف قاتلة.

تضم قيادة الحركة الاحتجاجية عناصر متنوعة وتيارات إيديولوجية مختلفة. وهذا يعكس، في آخر التحليل، وجود مصالح طبقية مختلفة. في البداية يختفي هذا الواقع من خلال النداء العام إلى “الوحدة”. إلا أن تطور الثورة سيؤدي حتما إلى عملية فرز داخلي. فالعناصر البرجوازية والطبقة الوسطى “الديمقراطية” ستقبل بالفتات الذي يقدمه النظام. سوف يساومون ويدخلون في صفقات من وراء ظهور الجماهير. وفي مرحلة معينة سينتقلون من معسكر الثورة إلى معسكر الرجعية. وهذا ما صار يحدث بالفعل.

إن العناصر الثورية الأكثر تصميما هي التي يمكنها، في نهاية المطاف، أن تضمن النصر النهائي للثورة: أي أولئك الذين ليسوا على استعداد للمساومات، والمستعدون للذهاب حتى النهاية. إن الوضع يحبل بعوامل انفجار جديد. وفي النهاية يجب أن ينتصر هذا المعسكر أو ذاك. إن الظرف الموضوعي ناضج لحسم السلطة من قبل الطبقة العاملة. وحده غياب العامل الذاتي – الحزب والقيادة الثوريين- هو ما يمنع هذا من التحقق حتى الآن. وبالتالي فإن حل مشكلة القيادة هو المسألة المركزية للثورة.

المؤامرات في القمة

الانتفاضة الوطنية هي التي أقنعت الجنرالات بأن رحيل مبارك هو الذي سيعيد الهدوء إلى شوارع مصر ويمكن من استعادة “النظام”. وقد كان هذا، وما يزال، هوسهم الأساسي. أما كل الحديث عن الديمقراطية فهو مجرد محاولة لإخفاء هذه الحقيقة. إن الجنرالات كانوا جزءا من النظام القديم، وشاركوا في جميع الأعمال القذرة من فساد وقمع. إنهم يخافون من الثورة مثل الخوف من الطاعون ويريدون فقط العودة إلى “الوضع الطبيعي” – أي: العودة إلى نفس النظام القديم تحت اسم مختلف.

لدا الطبقة الحاكمة العديد من الاستراتيجيات لهزيمة الثورة. فإذا لم تتمكن من القيام بذلك عن طريق القوة، فإنها ستلجأ إلى المكر. وعندما تواجه الطبقة الحاكمة احتمال فقدان كل شيء تلجأ دائما إلى تقديم التنازلات. لقد كان إسقاط بن علي ومبارك انتصاران عظيمان، لكنه كان فقط الفصل الأول من الملحمة الثورية.

ما يزال ممثلو النظام القديم في مواقع السلطة؛ وما يزال جهاز الدولة القديم، والجيش والشرطة والبيروقراطية، كل في مكانه. يتآمر الامبرياليون مع قيادات الجيش والقادة القدماء لخداع الجماهير وحرمانها من كل ما حققته. إنهم يقدمون حلا وسطا، لكنه حل وسط للحفاظ على سلطتهم وامتيازاتهم.

إن النظام القديم، وبعد أن هزم في الشوارع، يسعى جاهدا للتوصل إلى صفقة، أي أنه يحاول خداع قادة المعارضة، بحيث يقومون بدورهم بخداع الجماهير. وكانت الفكرة هي أنه بمجرد ما تصبح المبادرة في يد “المفاوضين”، فإن الجماهير ستصبح مجرد متفرجة سلبية. وستتخذ القرارات الحقيقية في مكان آخر، وراء الأبواب المغلقة، وراء ظهور الشعب.

لقد بدأ رجال النظام القديم يستعيدون تدريجيا أعصابهم. بدأوا يشعرون بثقة أكبر ويضاعفون المناورات والدسائس، مستندين على الفئات الأكثر اعتدالا بين المعارضة. بينما تشعر الجماهير بعدم الارتياح. إنهم لا يريدون أن تسرق الحركة من طرف الساسة المحترفين والوصوليين الذين يساومون مع الجنرالات مثلما يساوم التجار في السوق. لكن السؤال يبقى هو: كيف يمكن السير قدما بالثورة؟ ما الذي يجب القيام به؟

مع تزايد تجذر حركة، فإن بعض العناصر التي لعبت دورا قياديا في المراحل المبكرة ستسقط جانبا. وبعضهم سيتخلى عنها، والبعض الآخر سيذهب إلى جانب العدو. وهذا ينسجم مع المصالح الطبقية المختلفة. فالفقراء والعاطلون عن العمل، والعمال، و”العديمو الملكية” ليست لهم أي مصلحة في الحفاظ على النظام القديم. إنهم يريدون ليس كنس مبارك فحسب، بل كنس كل نظام الاستغلال والقهر واللامساواة. لكن البرجوازيين الليبراليين يرون في النضال من اجل الديمقراطية طريقا إلى مناصب مريحة في البرلمان. ليست لديهم أي مصلحة في إنجاز مهام الثورة حتى النهاية أو تعكير صفو علاقات الملكية القائمة.

بالنسبة للبرجوازية الليبرالية ليست الحركة الجماهيرية سوى ورقة مساومة مربحة، ليست سوى وسيلة يمكنهم من خلالها تهديد الحكومة لإعطائهم المزيد من الفتات. سوف يخونون الثورة دائما. لا يمكن إيلاء هؤلاء الناس أي ذرة من الثقة. يقول البرادعي الآن إنه يعارض التعديلات الدستورية، لكن وبدلا من أن يطالب بجمعية تأسيسية على الفور، يقول إنه يجب تأجيل الانتخابات، وأن الظروف غير متوفرة، وأن الوقت ليس مناسبا، وهلم جرا. بالنسبة لهؤلاء السادة لن يحين أبدا الوقت للديمقراطية. أما بالنسبة للجماهير الذين سالت دماؤهم من أجل الثورة، فإن الوقت من أجل الديمقراطية هو الآن!

إن التيار الماركسي الأممي يقول:

  • لا ثقة في الجنرالات!
  • لا ثقة في من نصبوا أنفسهم “قادة” للحركة والذين يدعون إلى عودة الأوضاع إلى “طبيعتها”!
  • فلنحافظ على استمرارية الحركة الجماهيرية!
  • فلننظم ونقوي اللجان الثورية!
  • من أجل إسقاط كل أنصار النظام القديم!
  • لا مساومات مع النظام القديم!
  • ليس للنظام “المؤقت” الحالي أي شرعية ويجب إسقاطه فورا. فلنطالب بعقد الجمعية التأسيسية فورا!

الإخوان المسلمون

يقول البعض، بمن فيهم خامنئي في إيران، إن الحركة التي نشهدها حركة دينية، وأنها “صحوة إسلامية”. لكن هذا غير صحيح. وحتى رجال الدين الرئيسيون في مصر يعترفون بذلك. إنهم يخشون من أن يرموا جانبا إذا ما حاولوا تصوير الثورة كحركة دينية. إنها حركة لجميع الأديان، وبالتالي فلا دين لها. لم يكن هناك أي عداء ضد المسيحيين في المظاهرات. بل لم يكن هناك حتى أي تلميح لمعاداة السامية.

إن الطائفية الدينية سلاح يستخدمه الرجعيون لخداع الشعب. لقد كانت هجمات دجنبر ضد المسيحيين الأقباط بتخطيط من الشرطة السرية من أجل خلق الانقسام الطائفي وتحويل الانتباه عن المشاكل الحقيقية للجماهير. وها هم يلجئون الآن إلى نفس التكتيك القذر من أجل تقسيم الجماهير على أسس طائفية، بالتحريض على النزاع بين المسلمين والأقباط في محاولة لبث الفرقة بين صفوف الشعب وتضليله وتقويض الثورة.

إن الثورات في تونس ومصر علمانية وديمقراطية إلى حد كبير، وغالبا ما عمدت إلى استبعاد الإسلاميين. إن الفكرة القائلة بأن جماعة الإخوان المسلمين هي “المعارضة الحقيقية الوحيدة” فكرة زائفة حتى النخاع. إن المطالب الأساسية للمتظاهرين المصريين تتعلق بالشغل والغذاء والحقوق الديمقراطية. وهذه المطالب لا علاقة لها مع الإسلاميين، إنها جسر نحو الاشتراكية، التي تمتلك جذورا عميقة في تقاليد مصر وبلدان عربية أخرى.

وصف بعض اليساريين المضلَّلين الحركات في تونس ومصر باعتبارها ثورات “الطبقة الوسطى”. وكان نفس هؤلاء الذين يسمون أنفسهم يساريين يغازلون الجماعات الرجعية مثل حزب الله وحماس والإخوان المسلمين لفترة طويلة. يحاولون تبرير هذه الخيانة للماركسية على أساس ما يزعمون أنه موقف مناهض للامبريالية لدا قادة تلك الحركات. هذا الادعاء خاطئ من البداية إلى النهاية. إن من يسمون أنفسهم إسلاميين معادون للامبريالية بالكلام فقط، لكنهم في الممارسة يمثلون تيارا رجعيا. إنهم، في الواقع، العجلة الخامسة في عربة النظام القديم.

وقد حاولت الامبريالية استخدام الإسلاميين كفزاعة لخداع الجماهير وإخفاء الطبيعة الحقيقية للثورة العربية. يقولون: “انظروا! إذا ذهب مبارك فإن القاعدة ستحل محله”. مبارك نفسه قال للشعب المصري إنه إذا ذهب فإن مصر ستصبح “مثل العراق”. كانت هذه كلها أكاذيب. إن دور الأصوليين والمنظمات مثل جماعة الإخوان المسلمين مبالغ فيه بشكل غريب. إن هذه المنظمات لا تمثل قوة للتقدم. إنهم يظهرون أنفسهم كمعادين للإمبريالية لكنهم يمثلون مصالح كبار ملاكي الأرض والرأسماليين. وفي آخر المطاف سوف يخونون دائما قضية العمال والفلاحين.

إن قيام بعض المجموعات اليسارية الأوروبية، وحتى بعض الذين يسمون أنفسهم ماركسيين، بدعم الإسلاميين فضيحة صريحة. ليس هذا أقل من خيانة للثورة البروليتارية. صحيح أن جماعة الإخوان المسلمين منقسمة على أساس طبقي. القيادة في يد من عناصر محافظة، ورأسماليين ورجال أعمال أثرياء، بينما تضم في قاعدتها قطاعات من بين أكثر الشباب كفاحية والذين ينحدرون من الطبقة العاملة والفقيرة. لكن طريق كسب هؤلاء الأخيرين إلى جانب الثورة لا يمر عبر عقد تحالفات مع قادتهم الرأسماليين، بل بالعكس إخضاعهم لنقد حازم، من أجل فضح ادعاءاتهم الجوفاء بمعاداة الامبريالية والمناصرة للفقراء.

وهذا بالضبط عكس ما قامت به هذه المجموعات عندما عقدت تحالفا مع قادة الإخوان المسلمين بتنظيم مؤتمر القاهرة لمناهضة الحرب. في الواقع، كانت هذه المنظمات اليسارية تقدم لقادة جماعة الإخوان المسلمين غطاء يساريا، مؤكدة على مزاعمهم الكاذبة بمناهضة الإمبريالية وبالتالي تعزيز قبضتهم على أعضائهم.

في الماضي كان الإخوان المسلمون مدعومين من طرف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لتقويض سلطة جمال عبد الناصر. كانت الحركات الأصولية الإسلامية من صنع جون فوستر دالاس ووزارة الخارجية الأمريكية، لضرب اليسار بعد حرب السويس عام 1956. لكن عندما أصبح السادات ومبارك عملاء لأمريكا لم تعد هناك حاجة لخدماتهم. قالت هيلاري كلينتون وآخرون إن جماعة الإخوان المسلمين لا تشكل تهديدا، وأنهم أناس يمكن العمل معهم. وهذه إشارة واضحة إلى أن الإمبرياليين سيحاولون مرة أخرى استخدام الإسلاميين لتفادي الثورة.

وبالمثل، فإن حماس وحزب الله شكلا في الأصل لضرب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها من التيارات اليسارية الأخرى في فلسطين. وفي وقت لاحق، صنعت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أسامة بن لادن كثقل موازن للقوات السوفياتية في أفغانستان. وهم الآن يتآمرون مرة أخرى مع قادة الإخوان المسلمين لكبح الثورة في مصر، وخداع الشعب. لكن جماعة الإخوان المسلمين ليست حركة متجانسة وهي الآن تنقسم إلى كتل مختلفة على أساس طبقي.

إن الفقراء الذين يؤيدون الإخوان المسلمين شيء، وقادة جماعة الإخوان شيء أخر مختلف تماما. في سنوات الثمانينات كان قادة الإخوان من اكبر المستفيدين من تحرير الاقتصاد -برنامج الانفتاح- والذي بموجبه قام السادات ثم مبارك بتفكيك القطاع العمومي لصالح الرأسمال الخاص. وتفيد دراسة لرجال أعمال الإخوان المسلمين أنهم سيطروا في تلك المرحلة علي 40 % من جميع المشاريع الاقتصادية الخاصة. إنهم جزء من النظام الرأسمالي ولهم كل المصلحة في الدفاع عنه. إن سلوكهم لا يحدده القرآن بل تحدده مصلحتهم الطبقية.

إن الإسلاميين “المتشددين” خائفون من الجماهير الثورية مثل خوف النظام نفسه. أعلنت جماعة الإخوان المسلمين أنها لن تتفاوض مع الحكومة حتى يتنحى مبارك. لكنهم غيروا رأيهم بمجرد ما لوح النظام بأصبعه الصغير. وقد ذهب أحد قادتهم إلى ميدان التحرير، حيث كان المتظاهرون يقفون بحزم لمنع الدبابات بأجسادهم من احتلال الساحة، مناشدا إياهم عدم الدخول في صدام مع الجيش.

إن موقفنا من مثل هؤلاء الناس قد أوضحه لينين منذ زمن طويل عندما حذر في المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية:

«11) وفيما يتعلق بالدول والأمم الأكثر تخلفا، حيث تسود العلاقات الإقطاعية أو البطريركية والعلاقات البطريركية الفلاحية، يعتبر من الأهمية بمكان أن نضع في الاعتبار ما يلي:

أولا، أنه يجب على جميع الأحزاب الشيوعية مساندة حركة التحرير الديمقراطية البرجوازية في هذه البلدان، وأن واجب تقديم المساعدة الأكثر نشاطا تقع في المقام الأول على عاتق عمال البلاد التي تعتمد عليها الأمة المتخلفة استعماريا أو ماليا؛

ثانيا، ضرورة النضال ضد رجال الدين وغيرهم من العناصر المؤثرة الرجعية والقروسطوية في البلدان المتخلفة ؛

ثالثا، ضرورة مكافحة التيارات الإسلامية والاتجاهات المماثلة، التي تسعى إلى الدمج بين حركة التحرر الوطني ضد الامبريالية الأوروبية والأميركية وبين محاولة تقوية مواقف الزعماء القبليين، وكبار ملاكي الأراضي، ورجال الدين، وما إلى ذلك» (لينين، مشروع موضوعات حول المسائل الوطنية والاستعمارية، 5 يونيو 1920، خط التشديد من عندنا).

هذا هو الموقف الحقيقي للماركسية بخصوص التيارات الدينية الرجعية. وهو الموقف الذي يدافع عنه التيار الماركسي الأممي بحزم.

إن التيار الماركسي الأممي يقول:

  • الدفاع عن وحدة الشعب الثوري!
  • فليسقط مروجو المذابح وتجار الكراهية!
  • معارضة كافة أنواع التمييز على أساس الدين!
  • لا توافقات مع التيارات الرجعية والظلامية!
  • يجب أن يكون لكل رجل وامرأة الحق في اعتناق أي معتقد ديني أو عدم اعتناق أي دين!
  • من اجل الفصل التام بين الدين والدولة!

المطالب الديمقراطية

خلال الإضراب أو الثورة يشعر الناس بقيمتهم الإنسانية، وبأن لهم كرامة وحقوق. فبعد عقود من الصمت الإجباري، يكتشفون أن لديهم صوت. والمقابلات مع الناس في الشوارع تعبر عن هذه الحالة بشكل رائع، حيث يقول أناس فقراء وأميون: سوف نناضل، ولن نغادر الشوارع، إننا نطالب بحقوقنا ونطالب بأن نعامل باحترام. وهذا شيء تقدمي للغاية. إنه جوهر الثورة الحقيقية.

غني عن القول إن الماركسيين يرهنون دائما المطالب الديمقراطية بالثورة الاشتراكية. لكن من الناحية العملية تؤدي المطالب الثورية الأكثر حزما وتقدما بالضرورة إلى طرح مسألة سلطة العمال والثورة الاشتراكية. والثورة الروسية هي أفضل مثال على ذلك. في 1917 وصل البلاشفة إلى السلطة على أساس شعارات: “السلام والخبز والأرض”، والتي لا يحمل أي منها مضمونا اشتراكيا. من الناحية النظرية، يمكن تحقيق جميع هذه المطالب الثلاث في ظل الرأسمالية. لكن في الممارسة العملية لا يمكن تحقيق هذه المطالب إلا عن طريق القضاء على البرجوازية وتمرير السلطة إلى أيدي الطبقة العاملة.

يقول البعض إن هذه حركة مجرد حركة برجوازية وطنية، وليست ثورة حقيقية. هذا الرأي يكشف فقط جهلهم بالدور الهام للمطالب الديمقراطية في الثورة في ظل هذه الظروف. وتوضح تجربة الثورة الروسية نفسها أهمية الاستخدام الثوري الصحيح للمطالب الديمقراطية. حيث لعب مطلب المجلس التأسيسي دورا هاما جدا في تعبئة أوسع فئات الجماهير وراء القضية الثورية.

في الوقت الذي نناضل فيه، نحن الماركسيون، من أجل أكثر المطالب الديمقراطية تقدما، لا نعتبر هذه المطالب غاية في حد ذاتها، بل جزء من النضال من أجل إحداث تغيير جوهري في المجتمع. وهذا هو ما يميز النظرة الماركسية عن نظرة البرجوازيين الصغار الديمقراطيين المبتذلين.

كانت المهمة العاجلة في مصر هي الإطاحة بمبارك ونظامه الفاسد. لكن لم تكن هذه سوى الخطوة الأولى. فقد فتحت بوابات الفيضان وسمحت للشعب الثوري بالبدء بمسيرته. إن الشعب يكتشف يوميا قوته في الشوارع، وأهمية التنظيم والتعبئة الجماهيرية. وهذا إنجاز هائل بالفعل. إن الجماهير وبعد أن مرت بتجربة ثلاثين عاما من الديكتاتورية، لن تسمح بفرض دكتاتور جديد، أو بأي مناورة لإعادة النظام القديم باسم جديد. وتونس دليل كاف على ذلك.

لقد أحست الجماهير الآن بقوتها، ولن ترضى بأنصاف الحلول. إنها تعرف أن ما حققته قد حققته بأيديها. والنضال من أجل الديمقراطية سيسمح ببناء النقابات والأحزاب العمالية الحقيقية. لكنه سيطرح أيضاً مسألة الديمقراطية الاقتصادية ومكافحة عدم المساواة.

يجب أن تكون الشعارات والتكتيكات ملموسة. يجب أن تعكس الوضع الحقيقي والتطلعات الحقيقية للجماهير. كانت المهام الموضوعية للثورة الروسية ديمقراطية ووطنية: الإطاحة بالقيصر، الديمقراطية، التحرر من الإمبريالية، حرية الصحافة، وما إلى ذلك. إننا نطالب بالديمقراطية الكاملة، بالإلغاء الفوري لجميع القوانين الرجعية، وتشكيل مجلس تأسيسي.

نعم، علينا الإطاحة بالنظام القديم، ليس فقط ببن علي ومبارك، بل أيضا بجميع أتباعهم. يجب أن يحدث تطهير شامل للدولة. ويجب ألا تشارك في الحكومة أي شخصية لعبت أي دور في النظام القديم. لماذا يجب على الشعب الثوري، الذي ضحى بكل شيء في النضال، أن يسمح لأولئك الذين لم يلعبوا أي دور في الثورة بأن يكونوا في السلطة، حتى وإن كانت حكومة مؤقتة؟ فلنأخذ مكنسة كبيرة ولنطردهم جميعاً! هذا هو مطلبنا الأول. ولن نقبل أي شيء أقل من هذا.

ولكن هذا أيضا غير كاف. فعلى مدى عقود نهب هؤلاء الناس وسلبوا ثروات المجتمع. كانوا يعيشون في الترف في حين كان الشعب غارقا في الفقر. والآن علينا أن نستعيد كل قرش سرقوه من الشعب. إننا نطالب بمصادرة ثروة وممتلكات هذه الطفيليات فورا، ومصادرة ممتلكات الامبرياليين الذين ساندوهم.

هذا يبين كيف أن المطالب الديمقراطية الثورية لابد أن تؤد مباشرة إلى المطالب الاشتراكية. وكل من يعجزون عن الاستخدام الصحيح للمطالب الديمقراطية بطريقة ثورية، محكوم عليهم أن يلعبوا دائما دور عصب كسيحة. أمثال هؤلاء لن يكونوا أبدا قادرين على الارتباط بالحركة الواقعية للجماهير.

إلا أن الديمقراطية تعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين. فالفقراء في مصر لا يناضلون من أجل الديمقراطية لتوفير مناصب وزارية للوصوليين، بل كوسيلة لحل مشاكلهم الأكثر إلحاحا: غياب فرص العمل والسكن، وارتفاع تكاليف المعيشة. إن هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية عميقة جدا بحيث لا يمكن حلها من قبل أي حكومة برجوازية.

ستكون الديمقراطية عبارة فارغة إذا رفضت وضع اليد على الثروة الفاحشة للنخبة الحاكمة. فلنصادر ممتلكات الطغمة الحاكمة! فلنصادر أملاك الامبرياليين الذين ساندوا النظام القديم واستغلوا شعب مصر! لا بد أن يؤدي النضال من أجل الديمقراطية، إذا استمر حتى نهاية، حتما إلى نزع ملكية الرأسماليين والأبناك وإقامة حكومة العمال والفلاحين. في ظل نظام مبارك، شجع الرأسماليون المصريون الشركات الأجنبية وساعدوا الامبريالية في نهب ثروات البلاد واستغلال العمال المصريين. إننا نطالب بمصادرة ممتلكات الامبرياليين لصالح الشعب.

التيار الماركسي الأممي يدعو إلى:

  • الإلغاء الفوري لجميع القوانين الرجعية!
  • الحرية الكاملة للتجمع والحق في التنظيم والإضراب!
  • تشكيل مجلس تأسيسي ثوري!
  • مصادرة جميع الأموال التي سرقها النظام القديم!
  • مصادرة ممتلكات الامبريالية!

شعار المجلس التأسيسي

لو وجد في مصر حزب مثل الحزب البلشفي، لكانت مسألة السلطة قد طرحت. لكن في ظل غياب قيادة تمتلك خطة واضحة، يمكن للثورة أن تمر بجميع أنواع التقلبات. في الوقت الحاضر ما تزل الموجة الثورية لم تنحسر بعد. لكن الجماهير لا يمكنها أن تبقى في حالة غليان دائمة، عليهم أن يعملوا ويكسبوا المال لكي يعيشوا. سوف تبرد الحمم الثورية لبعض الوقت. وفي النهاية ستدفع الثورة نحو شكل من أشكال الديمقراطية البرجوازية.

في مثل هذه الحالة تكون للمطالب الديمقراطية أهمية عظيمة. في حالة مثل حالة مصر في ظل مبارك، تشكل المطالب الديمقراطية أداة فعاله لتعبئة أوسع فئات الجماهير من أجل الثورة. علينا النضال من أجل أقصى ما يمكن من الحقوق الديمقراطية مثل الحق في التصويت، والإضراب، وما إلى ذلك. لأنه من مصلحة العمال أن يكون لديهم أكبر هامش ممكن من الحرية لتطوير الصراع الطبقي. إنها ليست مسألة تافهة بالنسبة للعامل أن يعيش في ظل نظام شمولي أو أن يحصل على هذه الحقوق الأساسية. لهذا يجب أن تحتل المطالب الديمقراطية مكانا أساسيا في برنامجنا.

يصاب بعض الناس بالحيرة من واقع أنه بينما نحن الآن ندعو إلى تشكيل مجلس تأسيسي في هذه البلدان، كنا قد عارضنا ذلك في حالة بوليفيا والأرجنتين. إن تفسير ذلك بسيط للغاية. فالشعارات لا توجد خارج الزمان والمكان. يجب أن تعكس الظروف الملموسة للصراع الطبقي في مرحلة معينة من تطور بلد معين.

في بوليفيا، وخلال الانتفاضات الثورية في أكتوبر 2003 وماي- يونيو 2005، كان شعار المجلس التأسيسي شعارا رجعيا. لماذا؟ في ذلك الوقت، كان العمال البوليفيين قد نظموا إضرابين عامٍين وانتفاضتين وأقاموا هيئات على النمط السوفيتي في شكل لجان الأحياء، ومجالس الشعبية، وcabildos abiertos (جموعات عامة).

كان بإمكان العمال البوليفيين حسم السلطة بسهولة. كان كافيا لقادة النقابات أن يعلنوا أنفسهم حكومة. في ظل هذه الظروف الملموسة، كان رفع شعار المجلس التأسيسي خيانة. إنه شعار يحول انتباه العمال عن المهمة المركزية – الاستيلاء على السلطة- نحو القنوات البرلمانية.

لقد تم تأكيد الطبيعة المعادية للثورة لهذا الشعار من خلال حقيقة أن البنك الدولي ومكتب المبادرة للتغير الممول من قبل الولايات المتحدة روجا لفكرة تشكيل مجلس تأسيسي. ويمكن للمرء أن إضافة تفصيل صغير هو أن بوليفيا في ذلك الوقت كانت بالفعل ديمقراطية برجوازية. وفي حالة الأرجنتين، تم رفع هذا شعار من قبل بعض الجماعات اليسارية بعد انتفاضة أرخنتنازو (Argentinazo ) في دجنبر 2001. في سياق الوجود الفعلي للديمقراطية البرجوازية، كان شعار المجلس التأسيسي خاطئ تماما ويعادل القول: “نحن لا نحب البرلمان البرجوازي الذي لدينا. ونريد برلمانا برجوازيا آخر بدلا عنه”.

على المرء أن يكون فاقدا تماما للبصيرة لكي لا يرى أنه لا يوجد أي شيء مشترك على الإطلاق بين هذه الحالات وبين الوضع في تونس ومصر. فبعد عقود من الدكتاتورية، لا بد أن تكون هناك حتما أوهام كبيرة في الديمقراطية، ليس فقط بين أوساط البرجوازية الصغيرة ولكن بين الجماهير أيضاً. هذا الواقع يوجه موقفنا. نحن مع الديمقراطية، لكن يجب أن تكون ديمقراطية كاملة. وأحد المطالب الديمقراطية يجب أن يكون ‘نحن بحاجة إلى دستور جديد، وبالتالي لمجلس تأسيسي، لكننا لا نثق في الجيش المصري لدعوته المجلس إلى الانعقاد، وبالتالي فإن النضال يجب أن يستمر في الشارع. ‘

بالطبع، لا يمكن للماركسيين أن يأخذوا موقفا ميكانيكي من الشعارات الديمقراطية، والتي هي دائما خاضعة للمصالح العامة للثورة الاشتراكية. نحن لا نتفق مع الموقف الخرافي الذي تتبناه البرجوازية الصغيرة اتجاه الديمقراطية الشكلية. تعمق الثورة سوف يكشف حدود الديمقراطية البرجوازية. ومن خلال التجربة سيفهم العمال ضرورة الاستيلاء على السلطة بأنفسهم. لكن من أجل فهم حدود الديمقراطية البرجوازية، على العمال أن يمروا أولا عبر مدرسة الديمقراطية. وهذا يفترض معركة جدية من أجل أكثر الشعارات الديمقراطية تقدما.

بعد عقود من الحكم الاستبدادي في مصر، لا يمكننا أن نكون غير مبالين بمسألة الدستور. الاقتراح الحالي من قبل المجلس العسكري هو أنه سيتم طرح بعض التعديلات الدستورية، التي صاغها خبراء معينون من قبل الجيش، على الاستفتاء الشعبي. هذا غير ديمقراطي على الإطلاق. إن دستور مبارك لا يمكن تعديله، يجب التخلص منه وعقد مجلس تأسيسي ديمقراطي وثوري لمناقشة دستور جديد تماما. لقد كان الدور الرجعي للجنرالات واضحاً من خلال إخلاء الجيش لمخيم ميدان التحرير بالقوة.

بعد أن أطاح للشعب الثوري بالديكتاتورية من خلال النضال، لا يمكنه أن يسلم السلطة لنفس الجنرالات الذين أيدوا الرئيس مبارك حتى اللحظة الأخيرة. لا يمكن للعمال أن يثقوا بقادة الجيش أو أي مجلس من “الخبراء” يتم تعينه من طرف الجيش لصياغة دستور ديمقراطي حقيقي. نحن مع تشكيل مجلس تأسيسي: هيئة منتخبة ديمقراطيا للعمل على صياغة الدستور. إن هذا مطلب ديمقراطي أساسي.

ولكن السؤال يبقى مطروحا: من الذي سوف يدعوا إلى عقد المجلس التأسيسي؟ لا يمكننا أيضا أن نعهد بهذه المهمة إلى الجيش المصري. لذلك يجب أن يستمر النضال في الشوارع والمصانع، وفي أوساط الشباب والعاطلين عن العمل، حتى تنتهي المعركة من أجل الديمقراطية.

الوضع في مصر مماثل، ليس لبوليفيا عامي 2003 و2005 أو الأرجنتين عام 2001، بل لروسيا عام 1905 أو 1917. يجب علينا الاستفادة من أكثر الشعارات الديمقراطية تقدما لطرح السؤال المركزي بخصوص سلطة العمال. إننا نقول للعمال والشباب: “تريدون الديمقراطية؟ نحن أيضاً نريدها، لكن لا تثقوا في الجيش أو البرادعي، دعونا نناضل من أجل ديمقراطية حقيقية!”. في مصر وتونس وإيران اليوم، يعتبر شعار المجلس التأسيسي مناسبا للغاية.

لقد توصل عمال مصر بالفعل إلى خلاصة صحيحة. يظهر هذا بشكل لافت للنظر بيان عمال الحديد والصلب في حلوان، والذين رفعوا في خضم النضال المطالب التالية:

  1. تنحى الرئيس فورا وكل رجال النظام ورموزه.
  2. مصادره أموال وممتلكات كل رموز السلطة السابقة وكل من يثبت فساده باسم الجماهير ولصالحها
  3. الاستقالة الفورية لجميع العمال من اتحاد عمال السلطة والحزب الوطني وحله وإعلان نقابتهم المستقلة الآن إعداد مؤتمرهم العام الذي يشكلون فيه اتحادهم بحريه لا نحتاج إلى موافقة النظام أو قوانينه فقد سقط النظام وسقطت شرعيته
  4. الاستيلاء على مصانع القطاع العام التي تم بيعها وغلقها وخصصتها وكذا القطاع العام التي هي ملك الشعب وإعلان تأميمها باسم الشعب وتشكيل إدارة جديدة يشترك فيها العمال والفنيين لإدارتها.
  5. تشكيل لجان رقابية عمالية في جميع مواقع العمل تراقب الإنتاج والأسعار والتوزيع والأجور
  6. الدعوة إلى مجلس تأسيسي من جميع فئات الشعب والتوجه لصياغة دستور جديد وانتخاب المجالس الشعبية دون انتظار المفاوضات مع النظام السابق

هذه المطالب صحيحة تماماً. إنها تبين مستوى عال جدا من الوعي الثوري وتلتقي تماما مع البرنامج المطروح من طرف الماركسيين. إن هذا البرنامج يوفر للثورة المصرية كل ما تحتاجه للنجاح.

النقابات العمالية

تطرح الثورة الحاجة إلى التنظيم. والنقابات هي الشكل الأساسي للتنظيم العمالي في جميع البلدان وفي جميع الأوقات. من دون تنظيم، ستبقى الطبقة العاملة دائما مجرد مادة خام للاستغلال. وبالتالي فإن مهمة بناء وتقوية النقابات العمالية أولوية عاجلة.

في مصر وتونس كانت النقابات مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنظام القمعي القديم. لقد كانوا جزءا من الدولة. القيادات العليا كانت فاسدة وفي كثير من الأحيان كانت من أعضاء الحزب الحاكم. دورهم كان الرئيسي هو مراقبة العمال. لكن القواعد مشكلة من العمال والمناضلين الشرفاء.

حتى في الديمقراطيات البرجوازية هناك ميل عضوي لقادة النقابات للاندماج بالدولة، لكن التاريخ يظهر أنه عندما تتحرك الطبقة العاملة حتى النقابات الأكثر فسادا وبيروقراطية يمكن أن تقع تحت ضغط الطبقة العاملة وتتغير في مسار الصراع. إما أن القيادة القديمة تتغير وتعكس ضغط العمال، أو تتم إزالتها واستبدالها بآخرين يكونون على استعداد لوضع أنفسهم على رأس الحركة.

في تونس كان قادة الإتحاد العام التونسي للشغل على وفاق مع نظام بن علي. وكانت القيادة القديمة مستعدة للمشاركة في الحكومة المؤقتة، التي شكلها الغنوشي، لكنهم اضطروا إلى الاستقالة تحت ضغط العمال. لكن الهيئات المحلية والإقليمية للإتحاد العام التونسي للشغل لعبت دورا قياديا في الثورة. وفي بعض المناطق مثل الرديف قام الإتحاد فعلا بتسيير المجتمع. وفي مناطق أخرى لعبت الأجهزة النقابية المحلية في تنظيم الحركة الثورية من خلال المجالس الثورية. وهذا يبين الدور الحيوي للنقابات باعتبارها وسيلة للثورة.

ما نحتاج إليه هو عملية تطهير للاتحاد العام التونسي للشغل على جميع المستويات، وإزالة جميع هؤلاء البيروقراطيين المرتبطين بالنظام القديم، بدءا من الأمين العام عبد السلام جراد، الذي يلعب بوضوح دور كاسر للإضرابات. على الهياكل الإقليمية والاتحادات الوطنية التي هي تحت قيادة اليسار والمناضلين الديمقراطيين، والتي تمثل غالبية أعضاء الاتحاد العام التونسي للشغل، أن تدعو فورا إلى عقد مؤتمر استثنائي وطني. من شأن التحرك إلى دمقرطة الاتحاد وجعله يساير الحركة الثورية أن يحظى بدعم هائل بين العمال العاديين. وإذا كان العمال والشباب قادرين على إسقاط بن علي ثم الغنوشي، فإنه من الأكثر سهولة بالنسبة لهم إسقاط القادة النقابيين الفاسدين الذين دعموهما.

في مصر كان زعماء النقابات الفاسدين عاجزين عن منع موجة من الإضرابات التي كانت بمثابة المدرسة التحضيرية للثورة. لقد تحرك العمال المصريون ضد الزعماء القدامى الفاسدين وهم يناضلون من أجل تحويل النقابات إلى منظمات ديمقراطية حقيقية للطبقة العاملة. وبذلك أظهروا غريزة طبقية ثورية لا تخطئ. إن النضال من اجل الديمقراطية ليس مقتصرا على الساحة السياسية. بل يجب أن يدخل إلى النقابات وأماكن العمل أيضا.

يبدو أن النضال يسير في مصر في اتجاه إقامة اتحاد جديد للنقابات المستقلة. وفي ظل الظروف الثورية مثل هذه التي توجد الآن، يمكن أن يصبح المنظمة الرئيسية للعمال المصريين. ومع ذلك، سيكون من الخطأ تماما التخلي كليا عن النضال داخل النقابات الرسمية القديمة، التي ما تزال تدعي تمثيل الملايين من العمال. وفي بعض الحالات، سيتم تشكيل نقابات جديدة في بعض أماكن العمل والقطاعات. وفي بعض الحالات الأخرى، ستظهر نقابات ديمقراطية ومكافحة من خلال سيطرة العمال على الهياكل الرسمية.

إن البرجوازية والامبرياليين يفهمون الأهمية المركزية للنقابات. وسوف يرسلون عملائهم المأجورين لإفساد وخداع العمال من أجل منعهم من تبني الأفكار الثورية والاشتراكية. لوكالة المخابرات الأمريكية علاقات وثيقة مع قادة نقابة AFL-CIO والمنظمات الديمقراطية الاجتماعية الأوروبية وما يسمى الهياكل النقابية العمالية العالمية. وسوف يحاولون تأسيس “نقابات عمالية مستقلة” تحت سيطرتهم.

على العمال الحذر من مثل هؤلاء “الأصدقاء” الذين يأتون لإفسادهم وتقويض ثورتهم من الداخل. كما يجب عليهم أيضا أن يحذروا من ما يسمى بالمنظمات غير الحكومية التي هي وكالة مقنعة للإمبريالية. إن دور المنظمات غير الحكومية هو تحويل العمال عن المسار الثوري، وإشراكهم في آلاف المهام التافهة، والجمعيات الخيرية وما إلى ذلك، وتحويل الثوار السابقين إلى أتباع وبيروقراطيين. إنه سم يمكنه أن يؤدي إلى تآكل الحركة العمالية.

ليس مهمة النقابات هي دعم الرأسمالية، بل الإطاحة بها. إن هدفنا الأول هو الكفاح من أجل تحسين مستويات المعيشة، وتحسين الأجور وظروف العمل. يجب علينا أن نناضل من أجل كل تحسين، مهما كان صغيرا. لكن علينا أيضا أن نفهم أنه سيكون من المستحيل تحقيق مطالبنا الأساسية طالما بقيت الأوليغارشية الطفيلية هي صاحب الأرض والبنوك والصناعات الكبرى.

في النضال ضد النظام القديم، أقامت النقابات روابط مع فئات أخرى من المجتمع: العاطلون عن العمل، النساء، الشباب، الفلاحون، والمثقفون. إن هذا ضروري جداً. يجب على الطبقة العاملة أن تطمح إلى أن تضع نفسها على رأس الأمة وأن تقود النضال ضد جميع أشكال الظلم والقهر.

يقوم الشعب الثوري بإنشاء لجان شعبية من مختلف الأنواع. هذه خطوة ضرورية لتوفير شكل منظم ومتماسك للحركة الثورية. لكن هذه اللجان الواسعة رغم ذلك لا تعوض النقابات العمالية، التي يجب أن تظل الشكل التنظيمي الأساسي للحركة العمالية.

إن النقابات العمالية مدرسة للثورة ستلعب دورا رئيسيا في الإطاحة بالنظام القديم وإقامة مجتمع جديد اشتراكي، حيث سوف يتوسع دور النقابات ألف مرة، وتلعب دورا رئيسيا في إدارة الصناعات المؤممة، وتخطيط الإنتاج وإدارة المجتمع.

التيار الماركسي الأممي يدعو إلى:

  • بناء النقابات وتحويلها إلى منظمات حقيقية للنضال!
  • تطهير النقابات من جميع العناصر الفاسدة والبيروقراطية!
  • من أجل نقابات ديمقراطية: الانتخابات على جميع المستويات والحق في عزل جميع المسؤولين!
  • مكافحة الفساد! يجب ألا يحصل أي مسؤول نقابي على أجر أعلى من أجر عامل مؤهل!
  • لا لسيطرة الدولة على النقابات! يجب أن تكون النقابات في أيدي العمال!
  • نعم لرقابة العمال على الصناعة! نعم لمصادرة الأبناك، وكبار ملاكي الأراضي، والرأسماليين! من اجل مخطط اشتراكي ديمقراطية للإنتاج!

دور الشباب

قال كارل ليبكنخت، الثوري والشهيد الألماني الكبير ذات مرة: “إن الشباب هو شعلة الثورة الاشتراكية”. ويمكن كتابة هذه الكلمات على راية الثورة العربية. لقد لعب الشباب الدور الرئيسي في كل مرحلة. وقد كان أغلب المتظاهرين الذين تدفقوا إلى شوارع تونس ومصر شبابا عاطلين وبدون أي مستقبل. بعضهم كان من خريجي الجامعات، والبعض الآخر من فقراء الأحياء الفقيرة.

في جميع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غالبية السكان هم من الشباب. إنهم يعانون أسوأ آثار أزمة الرأسمالية. في تونس 70 ٪ من الشباب تحت سن 25 عاطلون عن العمل، وتبلغ هذه النسبة 75٪ في الجزائر و76 ٪ في مصر. وتوجد حالات مماثلة في بلدان أخرى.

خريجو الجامعات ليس لديهم وظائف وبالتالي لا توجد لهم أي إمكانية للزواج وبدون مأوى أو مستقبل. هذه الحقائق تدل على مأزق الرأسمالية. إن هذه البلدان تحتاج إلى الأطباء، والمعلمين، والمهندسين، لكن لا توجد وظائف. ملايين الشباب غير قادرين على العثور على عمل، وبالتالي فهم غير قادرين على الزواج ورعاية أسرة. إن الشباب يدفعهم شعور عميق بالظلم والغضب العارم والاستياء اتجاه نظام يحرمهم من المستقبل، نظام فاسد أثرى نفسه على حساب الشعب.

إن الأمل الوحيد لهؤلاء الشباب هو الكفاح من أجل إحداث تغيير جوهري في المجتمع. لقد تخلصوا من الخوف وصاروا على استعداد للمخاطرة بحياتهم في الكفاح من أجل الحرية والعدالة. في تونس نظم الشباب الثوري نفسه، ودعوا إلى تظاهرة حاشدة في تونس، وساروا نحو مكتب رئيس الوزراء واعتصموا أمامه في ساحة القصبة. ورفعت الحركة الجماهيرية لطلاب المدارس مطلب المجلس التأسيسي، وتظاهروا وهم يهتفون “فلتسقط الحكومة”. لقد وفروا الحافز للحركة الثورية التي أسقطت حكومة الغنوشي في نهاية فبراير. في مصر رأينا نفس الشيء مرة أخرى. فالمتظاهرون المصريون الذين قادوا المسيرة كانوا أساسا من الشباب العاطلين عن العمل وبدون أي مستقبل.

إن التاريخ يعيد نفسه. ففي 1917 اتهم المناشفة البلاشفة بكونهم مجرد “حفنة من الأطفال” ولم يكونوا مخطئين تماماً! فمتوسط عمر المناضلين البلاشفة منخفضا للغاية. إن الفئة الأولى التي تتحرك هي دائما الشباب، المتخلصين من الأحكام المسبقة والخوف والارتياب المميزة للجيل الأكبر سنا.

شباب كل البلدان منفتحون على الأفكار الثورية. يجب أن نتوجه إلى الشباب! وإذا توجهنا إلى الشباب بالأفكار الماركسية الثورية والأممية البروليتارية، فسوف نلاقي استجابة حماسية.

التيار الماركسي الأممي يدعو إلى:

  • الوظائف للجميع!
  • يجب أن يتوفر لكل شابة وشاب منصب شغل بدوام كامل أو تعليم مجاني بدوام كامل!
  • أجر متساوي عن العمل المتساوي!
  • وضع حد لمضايقات الشرطة!
  • حقوق ديمقراطية كاملة والحق في التصويت عند سن 16 سنة!

دور المرأة

العامل الحاسم هو أن الجماهير بدأت تشعر بقوتها الجماعية وتتخلص من خوفها. وبدءا من الفئات الأصغر سنا والأكثر نشاطا وتصميما، انتقل مزاج التحدي تدريجياً إلى الفئات الأكبر في السن والأكثر حذرا وخمولا من الجماهير.

وقد كانت إحدى المميزات الأكثر إلهاما للثورات في تونس ومصر هي المشاركة النشطة للنساء. الاستكانة القديمة في طريقها إلى الزوال. في الإسكندرية ألقت ربات البيوت المسنات القدور والمقالي على الشرطة من شرفات شققهن. وفي المظاهرات ناضلت الطالبات الشابات المرتديات لسراويل الجينز جنبا إلى جنب مع النساء اللائي يرتدين الحجاب. والنساء العاملات هن من لعبن دورا رئيسيا في الإضرابات الواسعة النطاق لعمال الغزل والنسيج في المحلة الكبرى خلال السنوات الأخيرة، وهي الإضرابات التي عبدت الطريق للنهوض الثوري الحالي.

لقد كانت النساء في طليعة كل ثورة في التاريخ. صور النساء في البحرين، اللائي يتظاهرن بدون خوف، بعضهن بالحجاب والبعض من دونه، هي صورة ملهمة للثورة في الواقع. إنهن يكررن تجربة النساء الباسلات في باريس في أكتوبر 1789، وفي بتروغراد في فبراير 1917.

إن صحوة النساء علامة مؤكدة على الثورة. لا يمكن للمجتمع أن يتقدم أو يزدهر طالما النساء مستعبدات. وليس من قبيل المصادفة أن الرجعيين في مصر، فضلا عن تحريضهم على المذابح الدينية، هاجموا مظاهرة 8 مارس في ميدان التحرير. سوف تجند الثورة العربية أكثر مقاتليها تصميما وشجاعة من بين صفوف النساء، والتحرر الكامل للمرأة هو المهمة الأولى للثورة. مكان المرأة ليس في المطبخ بل في الشوارع للقتال جنبا إلى جنب مع الرجال. إنهن العناصر الأكثر شجاعة، ولديهن الكثير مما يقاتلن لأجله.

التيار الماركسي الأممي يدعو إلى:

  • إسقاط التمييز وعدم المساواة!
  • الاعتراف الكامل بالمساواة للنساء كمواطنات وبشر!
  • المساواة الكاملة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للنساء!
  • إسقاط لجميع القوانين التمييزية!
  • تنظيم النساء العاملات في نقابات عمالية حرة وديمقراطية مستقلة عن الدولة!
  • المساواة في الأجر عن العمل ذي القيمة المتساوية!

الثورة لم تنته بعد

في روسيا سنة 1917 استمرت الثورة تسعة أشهر، من فبراير إلى أكتوبر، حينما تمكن العمال أخيرا من حسم السلطة بقيادة الحزب البلشفي. ومع ذلك، فإن الثورة الروسية لم تسر في خط مستقيم، ومرت من خلال جميع أنواع التقلبات والتناقضات. كانت هناك فترة من الردة الرجعية في يوليوز وغشت. اضطر لينين إلى الفرار إلى فنلندا وكان الحزب البلشفي محضورا عمليا. لكن هذا عبّد الطريق لتقدم الثورة مجددا، بلغ ذروته في انتفاضة أكتوبر.

في اسبانيا رأينا سيرورة مماثلة، بدءا من سقوط النظام الملكي سنة 1931، متبوعا بطفرة كبيرة للصراع الطبقي. لكن هزيمة كومونة أستوريا خلال أكتوبر 1934، فتح فترة من الردة الرجعية، أو السنتان السوداوتان، 1935 و1936. لكن تبين أن هذه المرحلة لم تكن سوى مقدمة لموجة جديدة من الثورة، بدءا من انتصار الجبهة الشعبية في انتخابات 1936، مما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية وانتهى بهزيمة الفاشية.

بعد سقوط مبارك، صارت الثورة المصرية مثل كرنفال كبير. لكن الجماهير تناضل من أجل أشياء لا يمكن لأي حكومة برجوازية أن تقدمها لها. ومثل العمال الروس في فبراير 1917، نجح عمال مصر في إسقاط طاغية لكنهم لم يحققوا أهدافهم الرئيسية. فالنضال الحقيقي ما زال أمامنا. ما هي المشاكل التي حلت بسقوط مبارك؟ وما الذي تم تحقيقه بعد فرار بن علي إلى السعودية؟ لم يتم حل أي مشكل جوهري. إن العمال يناضلون من أجل مناصب الشغل والخبز والمأوى، وليس من اجل نوع من التمثيلية الديمقراطية البرجوازية الشكلية، حيث يتم تغيير كل شيء من اجل أن يبقى كل شيء على حاله.

من خلال التجربة المؤلمة تتعلم الجماهير بعض الدروس الهامة. وعاجلا أو آجلا سوف يصلون إلى الاستنتاج بأنه على الطبقة العاملة أن تأخذ السلطة. سوف تكون هناك سيرورة تعلم طويلة، وسيرورة تمايز داخلي. وقد بدأ هذا بالفعل. في اللجان الثورية تتعرض العناصر الأكثر اعتدالا والتي قادت الحركة في مراحلها الأولى، والتي لديها أوهام حول الجيش، للتجاوز من قبل فئات جديدة من العمال والشباب الذين يعارضون تقديم تنازلات، والذين يخشون أن يحرموا من المكتسبات التي حققوها بدمائهم بواسطة الخداع. وهذا الحذر مبرر تماما.

مع سقوط مبارك حققت الثورة المصرية انتصارها الكبير الأول. لكن لم يتم حل أي من المشاكل الأساسية للمجتمع المصري. فالأسعار واصلت الارتفاع، والناس بلا مأوى ينامون في المقابر وحوالي 10 % من الساكنة النشيطة عاطلون عن العمل وفقا للإحصاءات الرسمية، رغم أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير.

هناك غضب شديد ضد اللامساواة والفساد المتفشي في كل مكان، وهما السمتان الرئيسيتان للنظام القديم. ضاعت مليارات الدولارات من المال العام. وتقدر المبالغ المنهوبة من قبل عائلة مبارك وحدها بما بين 40 و80 مليار دولار. وقد أثار هذا الغضب والاشمئزاز، في بلد يعيش فيه 40 % من الناس تحت خط الفقر.

من المستحيل الجزم بما سيحدث مستقبلا. ومع ذلك، يمكن القول إن الثورة سيطول أمدها وستشهد كل أنواع المد والجزر. الجماهير، في الوقت الحاضر، مخمورة بفكرة الديمقراطية. ويؤثر الشعور بالنشوة حتى على العناصر الأكثر تقدما والأكثر ثورية. إن هذه الفترة من الأوهام الديمقراطية والدستورية هي مرحلة حتمية لكنها لن تدوم. إن الثورة تهز أساسات المجتمع. إنها توقظ فئات جديدة، كانت خاملة سابقا و”متخلفة”، إلى الحياة السياسية. وهم يطالبون بحقوقهم. وعندما يقول هؤلاء الناس: ثورة حتى النصر، فإنهم يعنون ذلك.

جميع المحاولات الرامية إلى استعادة التوازن السياسي لن تسفر عن شيء، لأن الأزمة الرأسمالية لا تسمح بأي حل للمشاكل الأساسية للشعب. ستكون هناك سلسلة من الأنظمة البرجوازية الغير مستقرة. وستسقط الوزارات الهشة الواحدة منها بعد الأخرى. وهذا يمثل خطرا. فعندما يصل الصراع الطبقي إلى نقطة الجمود، تميل الدولة إلى الارتفاع فوق المجتمع والحصول على استقلال نسبي. والنتيجة هي نظام عسكري غير مستقر، أو بعبارة أصح: نظام بونابارتي. وحقيقة وجود مثل هذا النظام يؤكد أن الثورة، التي بدأت يوم 25 يناير، لم تنته بعد. وسوف تمر من منعطفات عديدة قبل أن تتمكن من كتابة الفصل الأخير.

بالرغم من كل النداءات إلى “الوحدة الوطنية”، فالمجتمع المصري أصبح يعيش استقطابا حادا. وما زالت الثورة تحتفظ باحتياطي كبير من الدعم في أوساط الشعب. يقوم الطلاب بالعمل التحريضي في الجامعات. وينظم العمال الإضرابات وعمليات احتلال المصانع، ويطردون المدراء المكروهين والقادة النقابيين الفاسدين. وقد حقق إضراب عمال النفط المصريون جميع المطالب، بما في ذلك استقالة وزير النفط، في ثلاثة أيام فقط. وهذا يظهر أين توجد السلطة الحقيقية.

لا يمكن للنظام العسكري في مصر أن يحافظ على نفسه لفترة طويلة. وكل محاولات استعادة “النظام” (أي سيادة الأغنياء والأقوياء) قد باءت بالفشل. حاول الجيش وقف الإضرابات، لكن الإضرابات استمرت. وبدل أن تخمد حركة العمال هي آخذة في الازدياد. ماذا يمكن للجنرالات أن يفعلوا؟ فإذا كانوا عاجزين عن استخدام الدبابات لسحق التمرد، فإنهم ما يزالون أكثر عجزا عن استخدامها لسحق الإضرابات في ظل نظام يفترض أنه ديمقراطي.

سيكون على الجنرالات تمرير السلطة إلى المدنيين (أي إلى البرجوازية). وستكون هذه بمثابة ثورة مضادة بقناع ديمقراطي . لكنه لن يكون من السهل بالنسبة للثورة المضادة استعادة الاستقرار. إن الديمقراطية بالنسبة للعمال ليست كلمة فارغة. فإذا لم تؤد إلى تحسن في مستويات المعيشة وفرض الحق في الشغل والسكن، لماذا كان النضال منذ البداية؟

لو أن كل هذا حدث قبل عشر سنوات، لكانوا قد استطاعوا إرساء شكل من أشكال النظم الديمقراطية البرجوازية. فالازدهار الاقتصادي الذي كان يعرفه العالم الرأسمالي كان من شأنه أن يعطيهم هامشا معينا للمناورة. لكن الآن هناك أزمة عميقة على الصعيد العالمي. وهذا هو السبب في الغليان الثوري وفي نفس الوقت السبب في صعوبة وضع حد له. لا يمكن للنظام الرأسمالي أن يقدم أي شيء للجماهير. لا يمكنه أن يوفر فرص العمل أو مستوى معيشي لائق حتى في الولايات المتحدة وأوروبا. فكيف يمكن الأمل بأن يحقق ذلك مصر؟

تكتسي نضالات العمال المضربين، والذين يحتلون المصانع ويطردون المدراء أهمية عظيمة. إنها تعني أن الثورة بدأت تدخل المصانع وأماكن العمل. إنها دلالة على أن العمال في مصر ينتقلون من النضال من أجل الديمقراطية في المجتمع إلى النضال من أجل الديمقراطية الاقتصادية في أماكن العمل. إنها تعني أن الطبقة العاملة المصرية بدأت تشارك في الثورة تحت رايتها الخاصة بها، وتناضل من أجل مطالبها الطبقية الخاصة. وهذا عامل حاسم بالنسبة لمستقبل الثورة.

يحتج العمال ضد الفساد وتدني الأجور. إنهم يتمردون ضد المدراء المعيننين من قبل الدولة وينشؤون لجانا ثورية لتشغيل المصانع وأماكن العمل الأخرى. وهذا هو الطريق الصحيح الذي ينبغي السير عليه.

أكد المعلقون البرجوازيون على أن الكثير من هذه الإضرابات ذات طابع اقتصادي. بالطبع! فالطبقة العاملة تطرح مطالبها الملحة المباشرة. وهذا يعني أنها تعتبر الثورة وسيلة للنضال ليس فقط من أجل الديمقراطية الشكلية، بل من أجل أجور أفضل وظروف عمل أفضل- أي من أجل حياة أفضل. إنهم يناضلون من أجل مطالبهم الطبقية الخاصة. وهذا النضال لن يتوقف بمجرد أن حسني مبارك لم يعد يسكن في قصر الرئاسة.

من أجل الديمقراطية العمالية!

في السويس، انهارت سلطة الدولة تماما لمدة أربعة أو خمسة أيام. وكما كان الحال في تونس في وقت سابق، أنشئت اللجان الثورية المسلحة ونقاط التفتيش للدفاع عن الشعب. هذه الوقائع تثبت بما لا يرقى إليه الشك أن السوفييتات (أي مجالس العمال) ليست اختراعا متعسفا من قبل الماركسيين بل هي أجهزة تظهر تلقائيا في أي ثورة حقيقية.

وهذا يطرح المسألة المركزية، أي مسألة الدولة. فالثورة أسقطت سلطة الدولة القديمة على ركبتيها. ويجب استبدالها بسلطة جديدة. وتوجد في المجتمع سلطة أقوى من أي دولة. إنها سلطة الشعب الثوري. لكن لا بد من تنظيمه. في كل من مصر وتونس هناك عناصر لازدواجية السلطة في اللجان الثورية. وقد سيطرت اللجان على مدن وجهات بأكملها.

في تونس، سارت الأجهزة الثورية للشعب أبعد مما سارت عليه في مصر. فهذه الهيئات، التي كانت في حالات كثيرة منظمة حول الهياكل المحلية للاتحاد العام التونسي للشغل، تولت تسيير جميع جوانب المجتمع في البلدات والمدن وحتى في جهات بأكملها، بعد طرد النظام القديم. وبالرغم من كل الحديث عن “الفوضى” و”انعدام الأمن” من قبل الطبقة السائدة، فالحقيقة هي أن الشغيلة نظموا أنفسهم لضمان النظام والسلامة، لكن بنوع مختلف من النظام، إنه النظام الثوري.

في مصر، في أعقاب انهيار قوة الشرطة يوم 28 يناير، تدخلت الجماهير لحماية أحيائها. وأقاموا نقاط تفتيش وهم يحملون السكاكين والسيوف والسواطير والعصي لتفتيش السيارات التي تدخل وتخرج. وفي بعض المناطق، أخذت اللجان الشعبية تقريبا إدارة المدينة، بل حتى تنظيم حركة المرور. لدينا هنا جنين الميليشيا الشعبية – جنين سلطة دولة بديلة.

ومثلما كان على الشعب تشكيل لجان لحماية مناطقهم من العناصر الإجرامية عندما أخليت الشرطة من الشوارع من أجل إحداث الفوضى والاضطراب، يجب الآن من أجل تنظيم الثورة بأكثر الطرق فعالية، تطبيق نفس الفكرة وتعميمها.

من أجل الدفاع عن الثورة وتوسيع نطاقها، يجب علينا تشكيل لجان الدفاع في كل مكان!

ينبغي إنشاء لجان منتخبة للدفاع عن الثورة، والتي توجد بالفعل في بعض المناطق، في كل مصنع وشارع وقرية. وينبغي الربط بين هذه اللجان الثورية على المستوى المحلي والإقليمي والوطني. وستكون هذه نقطة الانطلاق لتشكيل حكومة العمال والفلاحين الديمقراطية المستقبلية- أي البديل الحقيقي للنظام الديكتاتوري الفاسد.

يطالب التيار الماركسي الأممي بما يلي:

  • التطهير الكلي والدمقرطة الكاملة للجيش
  • إنشاء لجان الجنود ولجان الضباط الثوريين الأدنى مرتبة
  • إسقاط الجنرالات الفاسدين والرجعيين
  • الحل الفوري لجميع الأجهزة القمعية
  • يجب محاكمة جميع المتهمين بارتكاب أعمال إرهابية ضد الشعب ومعاقبتهم
  • التسليح العام للشعب
  • إنشاء ميليشيا شعبية
  • من أجل حكومة العمال والفلاحين!

الثورة لا تعرف الحدود

لقد اتضح الطابع الدولي للثورة منذ البداية. تواجه بلدان عربية أخرى العديد من المشاكل المماثلة لتلك الموجودة في تونس ومصر: ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والتدهور الحاد للأوضاع الاقتصادية والبطالة والفساد الرسمي المتفشي. ملايين الناس يكافحون من أجل البقاء. وفي المجتمع كما هو الحال في الطبيعة، تؤدي الظروف المتشابهة إلى نتائج متشابهة. إن ما حدث في تونس ومصر يمكنه أن يحدث في العديد من البلدان الأخرى، وليس فقط في العالم العربي.

حاول الإمبرياليون تعزية أنفسهم بفكرة أنه لا وجود لتأثير الدومينو. لكن أحجار الدومينو قد بدأت بالفعل تتساقط: فليبيا، والمغرب، والسودان، والعراق، وجيبوتي واليمن والبحرين وسلطنة عمان – كلها تدخل الدوامة الثورية. وكما هو الحال في تونس ومصر، يعيش الشعب الجزائري والأردني واليمني في الفقر في ظل ديكتاتورية نخبة حاكمة تعيش حياة مترفة بنهب البلاد.

في حالة العراق، ترتبط الثورة بالنضال ضد الامبريالية والهيمنة الأجنبية، والحق في تقرير المصير للشعب الكردي. وفي الوقت نفسه من بين سمات الحركة الاحتجاجية في العراق هو أنها تجاوزت الانقسام الطائفي بين الشيعة والسنة، بين العرب والأكراد والتركمان، وهو الانقسام الذي كان أساسا لهيمنة السياسيين الرجعيين.

ومن بين القضايا الرئيسية التي رفعها المتظاهرون هناك ارتفاع تكاليف المعيشة، الذي يعود جزئيا إلى تراجع الحكومة عن دعم أسعار البنزين والسكر، وهي القضية المتفجرة في جميع أنحاء العالم العربي. قام حكام الأردن والجزائر وليبيا بتخفيض الضرائب على استيراد المواد الغذائية أو خفضوا أسعار السلع الأساسية في محاولة لتجنب الاضطرابات. وفي الجزائر قدم النظام عدة تنازلات في محاولة لمنع وقوع انفجار سيكون أكبر من التمرد الذي شهدته المناطق الأمازيغية عام 2001.

حتى ملوك بلدان الخليج الغنية بالنفط قلقون. وقد وزعت الكويت 4000 جنيه إسترليني (4600 اورو) على جميع مواطنيها للحفاظ عليهم في حالة هدوء. لكن هذه التدابير لن تنجح في أحسن الأحوال سوى في تأجيل النهوض الثوري الحتمي.

قامت وسائل الإعلام الغربية دون خجل بتصوير الحركة في البحرين باعتبارها صراعا دينيا/طائفيا بين الأغلبية الشيعية والسنة. إن هذا ادعاء كاذب. إن الشعب البحريني يناضل ضدا لفساد، ومن اجل إجراء انتخابات حرة، وضد التمييز ومن اجل حقوق المهاجرين والنساء، ومن أجل التوزيع العادل للثروة وضد البطالة. في كل مكان نرى نفس شجاعة الجماهير في مواجهة النار. في البحرين اضطر الجيش للانسحاب من ساحة اللؤلؤة. ومرة أخرى، كان دور الطبقة العاملة حاسما، حيث كان التهديد بتنظيم إضراب عام من جانب النقابات العمالية البحرينية هو الذي اضطر النظام إلى تقديم بعض التنازلات.

في جميع إمارات الخليج هناك استغلال وحشي للعمال، والمشكلة أساسا من العمال الأجانب. هناك 1.100.000 عامل/ة باكستاني/ة في السعودية وحدها. وتوجد حالة مماثلة في جميع أنحاء الخليج. وكانت هناك إضرابات وانتفاضات في الماضي، لم يتم الإبلاغ عنها في وسائل الإعلام، مثل إضراب 8000 من عمال البناء في دبي.

النظام السعودي نفسه، معقل الرجعية في الشرق الأوسط، يشبه طنجرة ضغط من دون صمام أمان. في مثل هذا النظام، عندما سيأتي الانفجار، سيأتي دون سابق إنذار وبعنف شديد. العائلة المالكة في السعودية فاسدة، ومنحطة ومتعفنة حتى النخاع. يشقها صراع حول الخلافة وهناك استياء متزايد وسخط بين صفوف الشعب. وعندما ستأتي اللحظة، كل النفط الموجود في المملكة لن يستطيع إنقاذها. ومن الجدير بالذكر أنه الآن حتى رجال الدين الوهابيون قد تحولوا ضدها.

أعادت الثورة العربية إحياء الحركة الثورية في إيران، حيث قال ضباط في الحرس الثوري إنهم ليسوا على استعداد لإطلاق النار على الشعب وأكدوا على الباسيج ترك هراواتهم في المنزل. والخلافات داخل جهاز الدولة تكشف عن وجود أزمة عميقة في النظام الذي ينقسم من الأعلى إلى الأسفل.

بما أن كل حالة تختلف بعض الشيء عن الأخرى، فإنه من الصعب القول ما هي أنواع الأنظمة التي سوف تظهر في كل حالة على حدة. إن أنواع الاتجاهات السياسية والنظم التي سوف تظهر تتوقف على عوامل كثيرة، وسوف تختلف من بلد إلى آخر. كانت السيرورة في تونس ومصر متطابقة تقريبا. لكن في ليبيا الوضع مختلف. حيث للنظام أكثر من قاعدة دعم، ولا سيما حول طرابلس. واقتصرت الانتفاضة إلى حد كبير على الجزء الشرقي وتحولت الثورة إلى حرب أهلية ما تزال نتيجتها غير مؤكدة.

القذافي لا يهمه إذا ما سقط كل البلد معه. وبعد أن فقد السيطرة على كل الشرق بما في ذلك ثاني أكبر مدينة، بنغازي، قرر القتال حتى النهاية مغرقا ليبيا في صراع دموي. كانت هناك انشقاقات واسعة النطاق داخل صفوف الجيش الليبي، حتى في القمة. لكنها لم تكن لها نفس التأثير كما هو الحال في مصر بسبب اختلاف طبيعة الجيش والنظام.

هناك شيء واضح: لقد دخل كل شيء إلى عين الإعصار. ولا احد من هذه الأنظمة سوف يبقى على قيد الحياة في نهاية المطاف. هناك احتمالات مختلفة، تبعا لميزان القوى الطبقي، وسلسلة كاملة من العوامل الداخلية والخارجية التي يستحيل التنبؤ بها. لكن هناك شيء واضح: مهما كان شكل النظام الذي سينشأ [على قاعدة الرأسمالية]، فإنه لن يكون قادرا على تلبية حتى الحد الأدنى من مطالب الجماهير.

عجز الإمبريالية

الإمبرياليون قلقون بخصوص ما سيسفر عنه كل هذا، وإلى أي مدى سينتشر. إنهم لم يتوقعوا هذه الأحداث ولا يعرفون كيفية التصرف. لم يجرؤ أوباما على دعوة الرئيس مبارك علنا إلى الاستقالة بسبب آثار ذلك على الدول الأخرى. وأجبر على التحدث بلغة رمزية محسوبة بعناية. إن عبارة “الديمقراطية” و”حقوق الإنسان” في فم أوباما ونظرائه الأوروبيين تنضح بالنفاق.

تتجلى كلبية الحكومات الغربية في أكثر أشكالها وقاحة. وبعد عقود من دعمهم للنظام الدكتاتوري البشع في تونس، صاروا فجأة جميعا مدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. أشاد ساركوزي ببن علي باعتباره صديقا للديمقراطية وحقوق الإنسان حتى عندما كان يعذب معارضيه في السجون. وتسترت واشنطن على الممارسات الهمجية لكل الطغاة الآخرين المواليين للغرب. وها هم الآن يحصلون على ثوابهم العادل.

تؤثر السياسة على الاقتصاد والعكس بالعكس. وقد ارتفعت أسعار النفط وسط مخاوف من احتمال امتداد الاضطرابات إلى بلدان عربية أخرى بما في ذلك عملاق إنتاج النفط السعودية، أو عرقلت إمدادات النفط من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس. تجاوز سعر خام برنت 120 دولار للبرميل الواحد، وما يزال يحوم فوق نقطة 110 دولار. إن هذا يهدد بتقويض الانتعاش الضعيف والهش للاقتصاد العالمي.

تحتاج الامبريالية إلى الاستقرار في الشرق الأوسط لأسباب اقتصادية وسياسية وعسكرية. لكن كيف يمكنهم الحصول عليه؟ هذا هو السؤال! ومنذ البداية كانت الولايات المتحدة تكافح من أجل إيجاد إجابة متماسكة على الأحداث التي تتغير يوما بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة. في الواقع تحولت أقوى قوة في العالم إلى مجرد متفرج لا حول له ولا قوة. نشرت صحيفة الاندبندنت مقالا بقلم مراسلها في واشنطن، روبرت كورنويل، تحت عنوان مثير للاهتمام: كلمات واشنطن القوية تؤكد عجز الولايات المتحدة. هذا يعبر عن الموقف الحقيقي.

بعض الأشخاص “الأذكياء” يعتقدون أن الثورة العربية ليست سوى جزء من مؤامرة امبريالية. ليس هناك ما هو أبعد عن الحقيقة من هذا الإدعاء. فالبرجوازية أخذت على حين غرة تماما بكل هذه الأحداث. إن هذه الثورات تزعزع كليا استقرار واحدة من أهم مناطقهم. وهم أبعد ما يكون عن الترحيب بها. كما أن لها تداعيات أبعد من حدود العالم العربي.

إن الشرق الأوسط منطقة رئيسية للإمبرياليين. قضى الأميركيون أربعة عقود لإقامة مركزهم هناك. وكانت مصر قطعة رئيسية في حساباتهم. والآن جرف كل هذا أمام أعينهم في غضون بضعة أسابيع. والدولة الأغنى والأقوى على وجه الأرض كانت مشلولة تماما. لا يمكن لأوباما أن يتدخل، بل وجد من الصعب عليه أن يقول أي شيء بخصوصها خوفا من إغضاب حلفائه السعوديين. تمر 8% من التجارة العالمية عبر قناة السويس، وكان الأميركيون مرعوبين من احتمال إغلاقها، لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء حيال ذلك. كل ما استطاع أوباما قوله هو أن ذلك كان اختيار الشعب المصري. لكن الأميركيين لم يقولوا هذا عندما تعلق الأمر بالعراق أو أفغانستان، حيث لم تتردد الإمبريالية الأمريكية في غزوهما.

في الواقع أرسلت سفن حربية أمريكية إلى السويس لكنها لم تفعل شيئا. كان القصد من ذلك الكشف عن القبضة الحديدية التي تخفى داخل القفاز الحريري “لديمقراطية” أوباما. لكنها في الواقع كانت حركة جوفاء. فقد أحرقت الولايات المتحدة أصابعها في العراق. وكانت أي مغامرة عسكرية جديدة في مصر ستفجر عاصفة في الولايات المتحدة وعلى النطاق العالمي. لم تكن أي سفارة أمريكية لتبقى سالمة في منطقة الشرق الأوسط وستواجه سائر الأنظمة العربية الموالية للولايات المتحدة خطر السقوط.

للولايات المتحدة مصلحة خاصة في البحرين بسبب موقعها الاستراتيجي المهم المجاور للسعودية وإيران. إنها قاعدة الأسطول الخامس، القاعدة الأميركية البحرية الأهم في المنطقة بأسرها. إلا أنها كانت عاجزة عن التدخل ضد الحركة الثورية في البحرين. فإذا كان هذا كله جزء من خطة إمبريالية، فلا أحد أخبر أوباما بشأنه!

[فقرة أعيدت صياغتها يوم 29 مارس 2011]

في حالة ليبيا لم يترددوا في إدانة القذافي والدعوة إلى الإطاحة به – وهو ما عجزوا عن القيام به في حالة مبارك. هذا مثال آخر على نفاقهم وكلبيتهم وازدواجية المعايير عندهم. على الرغم من تلميحهم في البداية أنهم لا يستبعدون القيام بالعمل العسكري، فإنهم ترددوا في التحرك. وقالت هيلاري كلينتون إن منطقة حظر الطيران يجب أن تكون بموافقة الأمم المتحدة. هذا هو النقيض التام لسلوك الولايات المتحدة في العراق، عندما تجاوزت تماما الأمم المتحدة.

في النهاية، وتحت ضغط الفرنسيين والبريطانيين، وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على فرض منطقة حظر الطيران. ولدينا الآن عدوان امبريالي واضح في ليبيا. ليس لهذا التدخل أي علاقة مع الدفاع عن شعب ليبيا فبالأحرى الدفاع عن الثورة. العكس هو الصحيح. إن هدفهم هو الحصول على موطئ قدم في المنطقة من أجل خنق الثورات التي بدأت.

نحن نعارض هذه البلطجة الإمبريالية. إن مهمة إسقاط القذافي مهمة الشعب الليبي. والحقيقة هي أنه قد تم إخماد الزخم الثوري الأولي الذي بدأ في الشرق وتم الاستيلاء عليه من قبل العناصر الرجعية في المجلس المؤقت التي سلمت الآن مصير الشعب الليبي للامبريالية الغربية.

إن التيار الماركسي الأممي يقول:

  • لا للتدخل الأجنبي!
  • إنهاء احتلال العراق وأفغانستان!
  • وقف قصف ليبيا!
  • فلتسقط الامبريالية!
  • ارفعوا أيديكم عن الثورة العربية!

إسرائيل والفلسطينيين

لم تثر الثورة العربية في أي مكان آخر رعبا أكبر مما أثارته في إسرائيل. فأقوى جيش في المنطقة وقف مشلولا في مواجهة ما يجري في مصر. بل إن الطغمة الحاكمة الإسرائيلية كانت حذرة بشأن ما تصرح به عن الوضع في مصر. وقد أمر بنيامين نتنياهو وزراءه بعدم الحديث عن ذلك علنا. ودعت إسرائيل الولايات المتحدة وعددا من الدول الأوروبية إلى الحد من انتقاداتهم للرئيس حسني مبارك. حاولت إسرائيل جاهدة إقناع حلفائها أنه في مصلحة الغرب دعم الرئيس مبارك من أجل الحفاظ على استقرار النظام المصري. وهو ما تعارض مع الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإزالته حتى يتمكنوا من ضمان “انتقال منظم” للسلطة وتجنب الثورة.

سبق لماركس أن أشار إلى أنه لا يمكن لشعب أن يكون حرا ما دام يستعبد شعبا آخر. تسيطر إسرائيل على عدد كبير من الفلسطينيين الساخطين الذين يتعلمون من أجهزة التلفزيون لكيفية الإطاحة بالطغيان. وفي الضفة الغربية يُحْتَجَز الفلسطينيين بمساعدة الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية. لكن السؤال الذي يبقى مفتوحا هو ما إذا كانت وحدات الشرطة الفلسطينية، أو قوات الأمن الإسرائيلية، ستكون قادرة على سحق حركة ديمقراطية جماهيرية، بعد أن رفض الجيش المصري القوي إطلاق النار على الشعب.

كان السلام المنفصل الذي وقعته إسرائيل ومصر في عام 1979 خيانة للقضية الفلسطينية، ويشهد معارضة كبيرة في معظم أنحاء العالم العربي. وقد كان الدعم المصري عنصرا هاما في المساعدة على استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية التي احتلت في 1967.

وكان اتفاق أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين عام 1993 خيانة جديدة. ليست ما تسمى بالأراضي الفلسطينية أكثر من نسخة للبانتوستانات في جنوب أفريقيا. إنها صورة كاريكاتورية للوطن ولم يتم تحقيق أي من الحاجيات الأساسية للفلسطينيين. وما تزال إسرائيل تمارس سيطرة قوية. ومنذ ذلك الحين سارت الأمور من سيء إلى أسوأ.

والآن بعد سقوط أقوى حليف لإسرائيل في المنطقة شهدت المعادلة كلها تغيرا جذريا. لقد هز أركان الحكومة الإسرائيلية، وهزت الاعتقاد الراسخ بأنه يمكن لاحتلال الأراضي الفلسطينية أن يستمر إلى أجل غير مسمى. وبين عشية وضحاها صارت هباء كل الخطط المعدة بعناية من قبل الإمبريالية.

لم تؤد عقود من الكفاح المسلح وما يسمى بالمفاوضات إلى أي نتيجة. لكن الحركة الثورية تطرح القضية الفلسطينية بشكل مختلف تماما. ليست الطغمة الحاكمة في إسرائيل قلقة على الإطلاق من صواريخ حماس أو الانتحاريين. بل على العكس من ذلك، كل صاروخ يسقط على قرية إسرائيلية يعمل على دفع الرأي العام الإسرائيلي وراء الحكومة. لكن اندلاع انتفاضة فلسطينية، جنبا إلى جنب مع الثورة العربية في مصر والأردن، أمر مختلف تماما.

قد تكون إسرائيل، من الناحية عسكرية، قوة لا تهزم. وفي حال وقوع حرب مع مصر، فإن إسرائيل من المرجح أن تفوز مرة أخرى. لكن هل يمكنها أن تنتصر على جماهير من المتظاهرين في ساحات الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل أيضا، مطالبة بالحقوق السياسية للفلسطينيين؟ هذا هو السؤال الذي يحرم الجنرالات والسياسيين الإسرائيليين من النوم.

لسقوط مبارك آثار خطيرة جدا على إسرائيل. وفي أفضل الأحوال، فإن الإنفاق العسكري الإسرائيلي سيرتفع أكثر، مع تفكير حكامها في خطر نشوب حرب في الجنوب. وهذا سيضع مزيدا من الضغوط على اقتصاد يعيش أصلا في أزمة. وستكون النتيجة تخفيضات جديدة وهجمات على مستويات المعيشة، مما سيضع اشتداد الصراع الطبقي على رأس جدول الأعمال في إسرائيل.

يتصور نتانياهو أن بلاده واحة للاستقرار والديمقراطية لا يمكن أن تتأثر بالثورة. لكن في الأساس، ليست إسرائيل سوى بلد من بلدان الشرق الأوسط التي تهددها الموجة الثورية الآتية من تونس ومصر. هناك تناقضات جديدة داخل إسرائيل. وقد جعلت الزيادة في أسعار الوقود والمياه من إسرائيل واحدة من أكثر البلدان ارتفاعا لتكلفة العيش في العالم. وقد لوحت قيادة الهستدروت (نقابة العمال الإسرائيلية) بفكرة الإضراب الوطني.

سيكون للأحداث الجارية في تونس ومصر عواقب عميقة على الفلسطينيين. لقد تعرض الفلسطينيون للخيانة من قبل جميع من وضعوا ثقتهم فيه، بدءا من الأنظمة العربية المفترض أنها صديقة وانتهاء بزعمائهم. وقد كشفت تسريبات ويكيليكس التواطؤ الفاضح لعباس مع الإسرائيليين والأميركيين. وسيكون لذلك تأثير كبير على نفسية الجماهير الفلسطينية.

لقد خانت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية القضية الفلسطينية طيلة أربعين عاما. كان في إمكان منظمة التحرير الفلسطينية أن تحسم السلطة في الأردن عام 1970. لو تم ذلك لكان كل تاريخ المنطقة سيكون مختلفا. لكن القيادة القومية البرجوازية الصغيرة رفضت الهجوم على “الأشقاء العرب”. فعبأ العاهل الأردني البدو الذين قاموا (بمساعدة من الجيش الباكستاني) بذبح الآلاف من الفلسطينيين. ومن الحقائق الأكيدة أن عدد الفلسطينيين الذين قتلوا على يد “الأشقاء” العرب أكثر من عدد الذين قتلوا على يد الإسرائيليين.

نفس هؤلاء البدو الذين اعتدوا على الفلسطينيين سنة 1970 يحتجون الآن ضد الملك. يحذر بعض ضباط الجيش السابقين النظام بأنه إذا لم يقدم التنازلات فإنه سيواجه نفس مصير بن علي ومبارك. وهذا يدل على أن الملكية الأردنية تخسر قاعدتها بشكل سريع ومعلقة بخيط رفيع. وقد انتشرت الحركة من مناطق البدو إلى عمان والفلسطينيين، الذين يشكلون غالبية السكان في الأردن.

لقد حان الوقت لإعادة تقييم تكيتيك وإستراتيجية النضال الفلسطيني. وكشفـ تتسريبات ويكيليكس القادة الفلسطينيين باعتبارهم مجرد عملاء لإسرائيل. والمزاج السائد بين الفلسطينيين هو الغضب والمرارة. كانت هناك عدد من المحاولات لتنظيم تحركات ضد كل من عباس في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة، والتي قوبلت بقمع كثيف. وحتى المظاهرات التضامنية مع الثورتين المصرية والتونسية حُضرت من قبل كل من حماس والسلطة الفلسطينية.

والآن قد تم تشكيل حركة موحدة ضد القيادة الحالية للحركة الفلسطينية، وضد الاحتلال الإسرائيلي ومن أجل وحدة النضال الفلسطيني، والتي اجتذبت تأييد عشرات الآلاف على الفيس بوك ودعت إلى تنظيم المظاهرات والاحتجاجات. بالنسبة للفلسطينيين، كانت الانتفاضة في مصر جزءا من أحلامهم على مدى عقود. وها هو الآن حقيقة واقعة. إن إسقاط الأنظمة العربية الرجعية من قبل الجماهير سوف يوجه ضربة خطيرة للامبريالية الإسرائيلية والأمريكية ويغير الوضع برمته. والآن وللمرة الأولى يمكن للفلسطينيين أن يروا من هم أصدقائهم الحقيقيون الوحيدون: العمال والفلاحون في العالم العربي كله.

وهذا يمثل نقطة تحول جوهرية. لقد رأى الفلسطينيون كيف يمكن النضال ضد المضطهدين، ليس بواسطة القنابل والصواريخ، بل عن طريق العمل الجماهيري الثوري. وسوف يصير المزاج كله مختلفا الآن. وستكون هناك بدايات جديدة بين الشباب، والحركات ضد حماس في غزة، وضد قادة منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية. هناك ضغط متزايد من أجل تحقيق شيء مختلف عما كان قائما حتى الآن. وستكسب فكرة انتفاضة جديدة قاعدة بين الفلسطينيين. وهذا من شأنه أن يغير كل شيء.

من أجل فدرالية اشتراكية!

بعد الحرب العالمية الأولى تم إنشاء ما يسمى بدول الوطن العربي بشكل مصطنع من قبل الامبريالية. لم يكن هذا التقسيم يستند على أي معايير طبيعية أو التاريخية بل استند فقط على مصالح الإمبريالية. قسّم اتفاق سايكس بيكو العراق ولبنان وسوريا والأردن بين بريطانيا وفرنسا. وبسبب وعد بلفور عام 1918، أعطت البريطانية الإذن بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

في الخليج، أنشأت دول صغيرة باحتياطيات ضخمة من النفط حتى يمكن السيطرة عليها بسهولة من قبل الامبريالية، للحصول على الثروات. كانت الأسرة المالكة في السعودية تتألف من قطاع طرق بالصحراء، حُملوا إلى السلطة من قبل العميل البريطاني ويلسون كوكس. لقد قسمت الإمبريالية جسد الأمة العربية العظيمة.

لا يمكن للثورة العربية أن تنجح حتى تضع حدا للبلقنة المخزية التي يعرفها العالم العربي. والطريقة الوحيدة لكسر السلاسل التي صنعتها الإمبريالية هي أن نضع على رايتنا شعار من أجل فدرالية اشتراكية للعالم العربي. وهذا من شأنه خلق رابطة اشتراكية عظيمة لشعوب المنطقة، تمتد من المحيط الأطلسي إلى الفرات.

على أساس الاقتصاد المؤمم المخطط، سيتم القضاء فورا على البطالة. وسيتم تعبئة خزان عظيم من قوة العمل الغير مستخدمة في حل مشاكل الإسكان والصحة والتعليم والبنية التحتية. عن طريق تجميع الموارد الضخمة لجميع هذه البلدان على أساس خطة مشتركة للإنتاج، يمكن تحويل الصحاري إلى جنان وإحداث ثورة ثقافية جديدة من شأنها أن تجعل من كل ما تحقق لحد الآن يبدو مجرد شيء بسيط.

ستضمن الفدرالية الاشتراكية الحق في الحكم الذاتي الكامل لجميع الشعوب، وهو السبيل الوحيد لحل النزاعات القومية والدينية التي سممت حياة شعوب المنطقة طيلة عقود، وتسببت في اندلاع الحروب المتواصلة. المسلمون والأقباط والسنة والشيعة والفلسطينيون واليهود والعرب والأمازيغ، والموارنة، والأكراد والتركمان والأرمن والدروز، جميعهم سيجدون لأنفسهم مكانا في ظل فدرالية مبنية على أساس مبدأ المساواة المطلقة.

مطالب التيار الماركسي الأممي:

  • الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وجميع القوميات المضطهدة في تقرير المصير!
  • فلتسقط الاعتداءات الامبريالية والإسرائيلية! من أجل إنهاء احتلال العراق وأفغانستان وفلسطين!
  • إسقاط المتعاونين مع الإمبريالية! الإطاحة الثورية بكافة العملاء العرب للإمبريالية!
  • مصادرة أملاك الامبرياليين وعملائهم العرب! يجب أن تعاد ثروات الأراضي العربية إلى الشعب!
  • من أجل الوحدة الوطنية الثورية للشعوب! من أجل الفدرالية الاشتراكية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على أساس الاتحاد الحر، المتساوي والأخوي، مع حكم ذاتي كامل لجميع القوميات!

القفزات في الوعي

إن الثورة المصرية هي الجواب النهائي على جميع أولئك المشككين والمفكرين المتحذلقين الذين طالما رددوا الكلام حول “المستوى المتدني للوعي” المزعوم للجماهير. يجب الآن على أولئك “الخبراء” الغربيين الذين كانوا يتحدثون بازدراء عن المصريين باعتبارهم “غير مبالين” و”سلبيين” و”غير مهتمين بالسياسة” أن يبتلعوا كلماتهم.

نفهم نحن الماركسيون أن الوعي البشري عموما ليس تقدميا أو ثوريا بل محافظة للغاية. مقاومة التغيير متجذرة بعمق في العقل البشري كجزء من آلية غريزة البقاء التي تجد جذورها في الماضي البعيد لجنسنا. وبالتالي فإن الوعي، كقاعدة عامة، يكون متخلفا عن الأحداث. إنه لا يتغير تدريجيا، بحيث يكون اليوم أكثر ثورية من أمس، ويصير غدا أكثر ثورية من اليوم، أي مثلما يحدث مع الماء الذي يتم تبريده من 100 درجة حتى 0 درجة، ليصير صلبا في نهاية المطاف.

وجهة النظر هذه عن الوعي ميتافيزيقية وميكانيكية، وليست مادية وجدلية. يعلمنا الديالكتيك أن الأشياء تتغير إلى نقيضها، وأن التغييرات الصغيرة، الغير محسوسة على ما يبدو يمكنها عند نقطة معينة، تسمى في علم الفيزياء بالنقطة الحرجة، أن تنتج تحولات متفجرة على نطاق هائل. إن التغيير في الوعي يحدث فجأة، عندما يجبر على ذلك بفعل أحداث كبيرة. وعندما يحدث هذا، يصير الوعي بسرعة متماشيا مع الواقع. إن هذه القفزة في الوعي هي بالضبط ما تحتاجه الثورة.

إن الجماهير، سواء في مصر، أو إيران، أو بريطانيا أو الولايات المتحدة، لا تتعلم من الكتب بل من التجربة. إنها تتعلم في الثورة أسرع بكثير مما يكون عليه الحال في الظروف الأخرى. وقد تعلّم العمال والشباب المصرين في بضعة أيام من النضال أكثر مما تعلموه خلال ثلاثين عاما من حياتهم “الطبيعية”. ففي الشوارع طورت الجماهير إحساسا بقوتها. تخلصت من الخوف من قوات مكافحة الشغب المدعومة بمدافع المياه والآلاف من البلطجية، الذين تمكنت من صدهم وهزمهم.

في خضم الثورة تتسرع عملية التعلم بشكل كبير. ونحن نرى بالضبط نفس السيرورة في مصر وفي تونس. فهنا مختبر واسع حيث توضع مختلف المطالب الصادرة عن مختلف المنظمين على المحك. وفي الشوارع الجماهير هي التي تقرر ما هي الشعارات المناسبة وما هي التي ليست كذلك. وسوف نرى نفس السيرورة تتكرر مرارا وتكرارا، وليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل في كل مكان.

من القاهرة إلى ماديسون

سنة 1917 استغرق الأمر نحو أسبوع لكي تصل أخبار الثورة الروسية إلى الهند. أما اليوم فيمكن للجميع أن يرى الثورة على الهواء مباشرة على شاشات التلفزيون. للأحداث الجارية في الشرق الأوسط تأثير هائل في جميع أنحاء العالم. ففي الهند، نظمت النقابات وأحزاب اليسار مؤخرا، لأول مرة منذ 32 عاما، إضرابا عاما من اجل رفع الأجور وضد ارتفاع الأسعار. ونظمت مسيرة لـ 200.000 متظاهر في شوارع نيودلهي، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية. على الرغم من أن الهند تنمو بمعدل سنوي قدره تسعة في المائة، فإن هذا يزيد التفاوت الطبقي بتركيز الثروة في الأعلى.

بدأ النظام الرأسمالي في تونس ومصر يتحطم في أضعف حلقاته. وسوف يخبرنا البرجوازيون أن مثل هذه الأمور لا يمكنها أن تحدث في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وأن الوضع مختلف، وهلم جرا. نعم، إن الوضع مختلف، لكن فقط بدرجة معينة. ففي كل مكان سوف تواجه الطبقة العاملة والشباب الخيار نفسه: إما أن نقبل بالتدمير المنهجي لظروف عيشنا وحقوقنا، أو نقاتل.

الزعم بأن “ذلك لا يمكنه أن يحدث هنا” هو ادعاء بدون أي أساس علمي أو منطقي. ونفس الشيء قيل عن تونس قبل بضعة أشهر مضت، عندما كان هذا البلد يعتبر الأكثر استقرارا في شمال إفريقيا. وتكرر نفس الادعاء بخصوص مصر حتى بعد الإطاحة ببن علي. وقد كانت بضعة أسابيع كافية لفضح فراغ تلك الكلمات. هذه هي سرعة الأحداث في عصرنا. وستطرح نفس المسألة عاجلا أو آجلا في كل بلد من بلدان أوروبا، واليابان، وكندا، وأيضا في الولايات المتحدة.

معدلات التضخم في ارتفاع. أسعار المواد الغذائية في ارتفاع. وسيكون لذلك آثار جدية في كل مكان، ولا سيما في البلدان الفقيرة. وفقا للبنك العالمي، سينضاف 44 مليون شخص إلى قائمة الفقر المدقع في الفترة المقبلة، مما يرفع رقم الفقراء إلى أكثر من مليار في جميع أنحاء العالم. ملايين الناس يكافحون من أجل الغذاء والشغل والمأوى، أي من أجل أكثر الشروط أساسية، من أجل وجود شبه متحضر. يجب أن تكون هذه الشروط متاحة للجميع في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لكن النظام الرأسمالي المفلس لم يعد قادرا على ضمان هذه الأشياء حتى في أوروبا وأمريكا الشمالية. وهذا هو السبب في اندلاع الانتفاضات. إنها مسألة حياة أو موت.

ليست الأزمة الحالية أزمة دورية عادية للرأسمالية. والانتعاش بدوره ليست عاديا. والرأسماليون يحاولون اعتصار العمال أكثر من أي وقت مضى في محاولة لاستعادة التوازن الاقتصادي: لتسديد ديونهم، وخفض تكلفة العمالة، وما إلى ذلك. لكن من خلال قيامهم بذلك يعملون على زعزعة استقرار الوضع برمته. وهذا ما يفسر جزئيا كلا من الثورة العربية وتصاعد النضال الطبقي في أوروبا.

لقد تأثرت كل بلدان العالم. وليس من قبيل الصدفة أن الصين أضافت صوتها إلى الجوقة التي تدعو للعودة إلى “النظام” في مصر. والسبب في جزء منه مصلحة اقتصادية. فالنظام الصيني مهتم بالاستقرار الاقتصادي العالمي لأنه يريد أن يستمر في كسب الكثير من المال من الصادرات. لكن وقبل كل شيء، تخاف بكين من أي شيء يمكنه أن يوفر حافزا للإضرابات والاحتجاجات في الصين نفسها. وقد هاجمت كل مظاهر الاحتجاج ومنعت أي إشارة إلى مصر على شبكة الانترنت.

وعلى النقيض من ذلك، فإن كل عامل واع طبقيا في العالم سيفرح بالحركة الرائعة للعمال والشباب في تونس ومصر. لا يمكن الاستهانة بالآثار النفسية لهذا. بالنسبة للكثيرين، وخصوصا في البلدان الرأسمالية المتقدمة، كانت فكرة الثورة تبدو شيئا مجردا وبعيدا. والآن كشفت لهم الأحداث التي تجري أمام أعينهم على شاشات التلفزيون أن الثورة ليست ممكنة فحسب بل ضرورية.

في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية هناك كراهية عارمة ضد المصرفيين والقطط السمان الذين يمنحون أنفسهم مكافآت مجزية بينما تعاني بقية المجتمع من هجمات مستمرة على مستويات معيشتهم. وينعكس هذا الواقع بشكل لافت للنظر في الأحداث المأساوية في ويسكونسن. ليس من قبيل المصادفة أن العمال في ماديسون بولاية ويسكونسن رددوا شعارات مثل “ناضل مثل مصري”. هذا هو تأثير السياسات المشؤومة التي يجري فرضها على الطبقة العاملة خلال الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة.

استيقظ العالم فجأة على انفجار الصراع الطبقي في ويسكونسن، مع خروج 100.000 متظاهر إلى الشوارع. يمكننا أن نرى صورا لعمال يحملون لافتات تدعو الحاكم بحسني ووكر ويهتفون: “الحاكم ويسكونسن الدكتاتور ينبغي أن يرحل”. بل إن العمال المصريين بعثوا رسائل التضامن إلى عمال ويسكونسن. كانت هناك إضرابات للطلبة، واعتصامات بمبنى الكابيتول ومسيرات عفوية. وقوات الشرطة الذين أرسلوا لتفريق المتظاهرين التحقوا بالشعب، وانضموا إلى الاعتصام وهم يرتدون سترات تحمل شعارات من قبيل “رجال الشرطة لصالح العمال”. إن هذا تطور مهم للغاية.

في أوروبا شهدنا تحركات كبيرة للعمال والشباب: ثمانية إضرابات عامة في اليونان خلال الاثني عشر شهرا الماضية؛ وحركة إضرابات ضخمة في فرنسا، دفعت بثلاثة ملايين ونصف المليون عامل للخروج إلى الشوارع، وحركة الطلاب البريطانيين؛ وإضراب عام في اسبانيا؛ وفي إيطاليا اندلاع حركة عمال المعادن ومؤخرا شهدت البرتغال اكبر إضراب عام منذ سقوط النظام الدكتاتوري سنة 1974. حتى في هولندا تظاهر 15.000 طالب في لاهاي. وفي أوروبا الشرقية كذلك شهدنا تحركات كبيرة في ألبانيا ورومانيا. في بلغاريا، حتى قوات الشرطة نظموا إضرابا.

قبل عشرين عاما شعرت البرجوازية بسعادة غامرة بالإطاحة بـ “الشيوعية”. لكن ابتهاجها كان سابقا لأوانه. وسوف ينظر في وقت لاحق لسقوط الستالينية كمقدمة فقط لتطور أكثر ملحمية: أي الإطاحة الثورية بالرأسمالية. في كل مكان، بما في ذلك الولايات المتحدة، النظام في أزمة. وفي كل مكان تحاول الطبقة الحاكمة وضع العبء الكامل لأزمة نظامها على أكتاف أفقر طبقات المجتمع.

لدا هذه الحركات عدة أوجه تشابه بالحركات الجماهيرية التي أدت إلى الإطاحة بالأنظمة الأوروبية الشرقية. كان لتلك الحكومات، من الناحية النظرية، أجهزة دولة قوية، وجيوش ضخمة، وشرطة، وبوليس سري. لكن كل هذا لم ينقذها. كما أن كل أموال وبوليس وجيوش العالم لن تحفظ حكام أوروبا والولايات المتحدة عندما سيتحرك العمال لتغيير المجتمع.

لقد أظهرت الجماهير مرارا وتكرارا عزمها واستعدادها للنضال. ومن أجل تحقيق النصر تحتاج لأن تكون مسلحة ببرنامج واضح وإلى القيادة. إن الأفكار الماركسية هي الوحيدة التي يمكن أن توفر ذلك البرنامج وتلك القيادة. المستقبل لنا.

  • عاشت الثورة العربية!
  • يا عمال العالم اتحدوا!
  • عاشت الاشتراكية، الأمل الوحيد لمستقبل البشرية!
  • ثورة حتى النصر!