المغرب: رابطة العمل الشيوعي – منظوراتنا لحركة عشرين فبراير

اليوم 20 فبراير 2014 تحل الذكرى الثالثة لانطلاقحركة 20 فبراير، الحركة التي وضعت بصمتها على الحياة السياسية في المغرب، وبهذه المناسبة نعيد نشر منظوراتنا لحركة 20 فبراير الواردة في منظوراتنا السياسية الصادرة عن المؤتمر الوطني لرابطة العمل الشيوعي الذي انعقد أيام: 21 – 22 – 23 غشـت 2013.

لقد مرت الآن ثلاث سنوات على انطلاق حركة عشرين فبراير. الحركة التي وضعت بصمتها على الحياة السياسية في المغرب وتمكنت من إخراج مئات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع في أغلب مناطق المغرب على قاعدة مطالب سياسية واقتصادية جريئة.

إلا أن هذه الحركة قد بدأت تشهد تراجعا كبيرا في الزخم الجماهيري الذي ميزها في بدايتها. والسؤال الذي يطرح بحدة هو لماذا هذا التراجع؟ ولماذا لم تتمكن من إسقاط النظام القائم مثل نظيراتها في مصر وتونس؟

إن الحالة التي وصلت إليها حركة عشرين فبراير نتيجة لمجموعة من العوامل التي يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي. وقد سبق لنا نحن الماركسيين أن أشرنا إلى نقاط ضعف الحركة عندما كانت الحركة ما تزال في عز مدها. وقدمنا مجموعة من المقترحات التي نراها كفيلة بتصحيح مسارها نحو تحقيق المطالب التي رفعتها. وموقفنا هذا يناقض موقف أعداء الحركة (من لبراليين وإعلام برجوازي، الخ) الذين كانوا يغدقون المديح على الحركة، وخاصة على نقاط ضعفها، فكانوا يمتدحون غياب التنظيم، وغياب التصور، وطغيان العفوية. وذلك لأسباب ليس من الصعب فهمها. إذ أن الحركة كلما حافظت على عفويتها وتشتتها وغموض تصورها كلما سهل عليهم الاستيلاء عليها وتحوير مصيرها في أفق القضاء عليها.

من الناحية الذاتية من أهم هذه العوامل ضعف القوى الماركسية واليسارية عموما وعدم قدرتها على توجيه الحركة على قاعدة برنامج ثوري واضح. وكذلك عدم قدرتها على توحيد مطالب كل فئات الكادحين والطبقة العاملة في حركة ثورية موحدة تتجه رأسا نحو أصل الداء: النظام الرأسمالي القائم.

وهذا الضعف هو ما استغله بعض أبناء الطبقة الوسطى المدللين الذين استولوا على قيادة الحركة وفرضوا أنفسهم قادة عليها دون أن ينتخبهم أحد. إن هؤلاء "الزعماء" الذين هم في أغلبهم وصوليون رأوا في الحركة مطية ممكنة لصنع رصيد سياسي لأنفسهم يصل بهم إلى امتيازات شخصية، قد يكون بعضهم في الواقع ديمقراطيين حقيقيين، لكنهم ليسوا ثوريين أبدا. وهذا ما جعلهم ينقلبون على الحركة كلما رأوا خطر تطورها في مسار ثوري، يحررها من القوالب الحديدية التي وضعوها لها مسبقا. لم يكونوا أبدا يثقون في الطبقة العاملة ولا في قدرتها على تغيير المجتمع نحو الأفضل، ولا يرون فيها سوى كتلة من الحشود الجاهلة والأمية التي يجب عليها أن تنتظر الأوامر منهم، خاصة وأنهم خريجو معاهد تسيير المقاولات وغيرها من الجامعات والمدارس الأنيقة في الداخل والخارج.

إن هؤلاء "الزعماء" المزيفين مجرد حثالة بشرية لا أهمية لهم في المسار العام للصراع الطبقي، وسرعان ما تكنسهم الحركة جانبا عندما تقوى، لكن دورهم يكون خطيرا ومشؤوما، بل وحاسما، عندما تكون الحركة في بداياتها الأولى وتغلب عليها العفوية وتكون القوى الماركسية ضعيفة. خلال هذه المرحلة يمكن لأي وجه عرضي أو مغامر أن يصير قائدا وزعيما، إذ يكفيه أن يكون وقحا ويصعد على أكتاف صديقه ليقول للجماهير: "هيا في هذا الاتجاه"، ويحتكر الكلام في الاجتماعات ويفرض رأيه باستعمال الأساليب الخسيسة، الخ.

لقد لعب هؤلاء الأصدقاء المزيفون دورا مشؤوما في إضعاف الحركة، فتلقى بعضهم مقابلا مجزيا من الدولة عبر الجمعيات التنموية والأحزاب اللبرالية. بينما عاد بعضهم الآخر إلى الاهتمام بمشاريعهم الخاصة ومستقبلهم وهم يسبون الجماهير "الجاهلة" التي لم تكن في حجم تضحياتهم ولا في مستوى فهم مشاريعهم.

أما أهم العوامل الموضوعية فهو استفادة النظام القائم، وأسياده الامبرياليون، مما حدث في تونس ومصر. لقد أخذتهم الثورة التونسية على حين غرة، كما أن ثقتهم الزائدة في قوة نظام مبارك واحتقارهم لقوة الجماهير جعلتهم يتعرضون لهزيمة أكبر في مصر. وهذا ما جعلهم يستفيدون من الدروس. لقد فهموا أن أنظمتهم ضعيفة وأن قوة الجماهير لا تقهر. كما استوعبوا أنه لا يوجد قمع على وجه الأرض قادر عل إخضاع شعب قرر أن ينتصر. وهذا ما طبقوه في المغرب، حيث لم يقتصروا على القمع وحده، بل سارعوا إلى تقديم العديد من التنازلات، والاستعانة مجددا بخدمات الإسلاميين سواء منهم الذين عارضوا الحركة منذ بدايتها (العدالة والتنمية، غالبية السلفيين)، أو هؤلاء الذين اخترقوا الحركة وساوموا بها ثم غادروها لاحقا (العدل والاحسان).

كما عمل بتعاون مع البيروقراطية النقابية والإصلاحيين على تحييد الطبقة العاملة المنظمة من الصراع عبر رشوة القادة النقابيين، وتقديم إصلاحات سياسية واقتصادية شكلية ومؤقتة مما مكنه من امتصاص غضب الجماهير مؤقتا. وكانت النتيجة أن تمكن النظام من إخماد جذوة الحركة والانتصار في الجولة الأولى.

إن من يعرف شيئا عن كيفية سير الحركات الثورية الجماهيرية يعرف بالتأكيد أن الثورة ليست مسيرة ظافرة من الانتصارات في خط تصاعدي مستمر. إنها سيرورة معقدة من المد والجزر، من الصعود والهبوط. من فترات الانتصارات الباهرة وأشد لحظات الهزيمة قتامة. بل وحتى التراجعات.

كما أن من يعرف شيئا عن الحركة الجماهيرية يعرف أن الجماهير لا يمكنها أن تبقى في الشوارع إلى الأبد في حالة غليان دائم عندما لا يكون الأفق واضحا بالنسبة لها. إن الجماهير قادرة على تقديم أعظم التضحيات، وقد قدمت بالفعل تضحيات جسيمة، لكنها لا تقوم بذلك إلا في حدود معينة ومن أجل أهداف معينة. إنها تعامل الاحتجاج بجدية كبرى، على عكس شباب الطبقة الوسطى المدللين الذين يعتبرون الاحتجاجات فرصة لأخذ الصور والتعبير عن تمردهم، ولذلك فإنها تنتظر منه أن يوصل إلى نتائج ملموسة. وهذا بالضبط ما افتقدته في الحركة عندما سيطر عليها "قادة" كل همهم المناورات والصراعات الهامشية أو التطرف اللفظي، الخ.

إننا نعتبر أن حركة عشرين فبراير ستبقى نقطة مضيئة في تاريخ شعبنا، لكننا نعتبر أنها قد استنزفت. إننا سنستمر في النضال من أجل المطالب العادلة التي رفعتها، ومن أجل إطلاق سراح معتقليها ومعاقبة المسؤولين عن قتل مناضليها، كما سنستمر في التواجد في كل الأشكال النضالية الجماهيرية التي ستخرج باسمها. إلا أننا في نفس الآن نعتبر إنه من الخطأ إضاعة الجهد والوقت الثمين، الذي لا نمتلك منه الكثير، في الصراعات الهامشية والمناورات داخل اجتماعات فارغة، مع العصب أو مع "الزعماء" الذين لا ينام بعضهم قبل أن يضع تقريرا على مكتب أجهزة الاستعلامات. إننا وإن كنا نتفهم رغبة رفاقنا في التيارات اليسارية الأخرى (النهج الديمقراطي، الحزب الاشتراكي الموحد) ودوافعهم والمجهودات التي يبذلونها من أجل إنعاش الحركة وإعادة الحياة إليها، فإننا لا نتفق مع محاولات إبقائها بشكل مصطنع وتحويلها إلى صنم. لقد شهد تاريخ المغرب تحركات ثورية عديدة بعضها وصل درجة حمل السلاح (جيش التحرير، الخ)، لكنها عندما استنفذت شروط بقاءها تم تجاوزها جدليا من طرف حركات أخرى. هذا هو قانون الصراع الطبقي، نفي النفي. إننا نعتبر موقفنا هذا دعوة منا للتيارات اليسارية الأخرى إلى الاستعداد للتحركات الثورية التي سيأتي بها المستقبل، بدل الانشغال بالصراعات الهامشية داخل اجتماعات العصب واستنزاف الطاقات.

Source