البلشفية طريق الثورة: الفصل السادس: سنة الثورة – تمرد كورنيلوف

بدأ البلاشفة، ببطء في البداية، لكن بنشاط يتزايد أكثر فأكثر، يعيدون تجميع صفوفهم. وتحت قيادة ياكوف سفيردلوف، المنظم البارع الذي لا يعرف الكلل، المنحدر من جبال الأورال، سرعان ما عادت الأمور إلى نصابها في بتروغراد. لم ينجح القمع في تدمير الحزب، وهذا لم يكن صدفة. كانت الثورة المضادة ما تزال تتلمس طريقها وكانت ما تزال مضطرة لتمويه تصرفاتها من خلال التحدث باسم الثورة والسوفييتات. وحتى القوات التي أخمدت مظاهرة يوليوز قامت بذلك باسم الدفاع عن السوفييتات. كان من شأن الهجوم الصريح أن يتسبب لهم في المشاكل، على الرغم من أن ذلك هو ما أراده كيرينسكي. كانوا مضطرين للتقدم بحذر. وحتى محاكمات “العملاء الألمان” اضطروا إلى تأجيلها، جزئيا بسبب الافتقار الكامل لأي دليل. لكن ورغم ذلك كانت الظروف ما تزال صعبة بالطبع. لقد أدى فقدان المقرات والسجلات إلى تعطيل العمل مؤقتا. اشتكى أحد أعضاء اللجنة التنفيذية قائلا: «لقد فقدنا كل شيء تقريبا، مستنداتنا وحساباتنا وأموالنا، فقدنا حرفيا كل شيء!». كان منع برافدا ضربة موجعة، واضطر الحزب إلى إصدار منشورات تنسخ بطابعة يدوية متداعية تعود إلى فترة النظام القيصري. ولم يتمكن البلاشفة من استئناف نشر جريدتهم بشكل عادي إلا مع مطلع شهر غشت. ومع ذلك فقد كانت المعنويات تتعافى بسرعة. تمكن سفيردلوف من إرسال تلغراف إلى المنظمات الحزبية في المقاطعات ليخبرها أن «المزاج العام في بيتر [الاسم العامي لبيتروغراد] ممتاز. لقد مررنا من المحنة. المنظمة لم تتحطم»[1].

[Source]

اجتمعت القيادة البلشفية خلال الفترة من 13 إلى 14 يوليوز لمناقشة مقترح لينين بتغيير التكتيكات، وهو ما رفضه أغلبهم. صوت عشرة قادة من بين الخمسة عشر الحاضرين، ضد المقترح. كما أن القرار الذي اعتمدته اللجنة المركزية في الأخير لم يشر إلى نهاية فترة التطور السلمي للثورة أو إلى الحاجة للاستعداد للانتفاضة المسلحة. عندما اكتشف لينين ذلك في اليوم الموالي، شعر بقلق شديد. تساءل عما تعنيه هذه الانتظارية؟ وقد شن، في مقاله “عن الشعارات”، هجوما مباشرا على ميل رفاقه إلى تأجيل العمل الثوري وتقديم تنازلات للإصلاحيين. كان الوضع قد شهد منعطفا حادا بعد أحداث يوليوز، وكانت الردة الرجعية قد بدأت تأخذ المبادرة، وقال:

«يجب، في المقام الأول، وقبل كل شيء، أن يعرف الشعب الحقيقة، يجب أن يعرف من الذي يمتلك بالفعل سلطة الدولة. يجب إخبار الشعب بالحقيقة الكاملة، ألا وهي أن السلطة توجد في أيدي زمرة عسكرية من الكافينياكيين[2] (كيرينسكي وبعض الجنرالات والضباط، إلخ)، الذين تدعمهم الطبقة البرجوازية التي يرأسها حزب الكاديت، وجميع أنصار النظام الملكي، الذين يتحركون من خلال جرائد المئات السود نوفوي فريميا وجيفوي سلوفو، إلخ ، إلخ».

اتضح لاحقا صدق هذه التوقعات، حيث أن الضباط الكافينياكيين كانوا يحضرون بالفعل لهجوم مضاد ساحق. لذا فقد كان من الضروري تحضير الحزب وتحذير الجماهير من أن المواجهة وشيكة. أما عن دور السوفييتات فقد كتب لينين:

«قد تعود السوفييتات إلى الظهور في هذه الثورة الجديدة، وسوف تظهر حتما، لكن ليست هذه السوفييتات القائمة الآن، ليست الأجهزة التي تتعاون مع البرجوازية، بل أجهزة النضال الثوري ضد البرجوازية. صحيح أنه سيكون علينا حتى في ذلك الوقت أن نؤيد بناء الدولة بأكملها على نموذج السوفييتات. ليست المسألة متعلقة بالسوفييتات عموما، بل هي مسألة النضال ضد الثورة المضادة الحالية وضد خيانة السوفييتات الحالية»[3].

خلال الكونفرانس الثاني لمنظمة الحزب بمدينة بتروغراد، عبر فولودارسكي (الذي جاء مع منظمة ميزرايونتسي ولعب دورا بارزا داخل المنظمة البلشفية في بتروغراد، حتى اغتياله على يد إرهابي من الاشتراكيين الثوريين اليساريين، عام 1918) عن آراء العديد من الحاضرين عندما قال:

«إن الأشخاص الذين يزعمون أن الثورة المضادة منتصرة إنما يصدرون الأحكام على الجماهير بناء على ممارسات قادتها. لكن بينما يتجه الزعماء [المناشفة والاشتراكيين الثوريين] نحو اليمين، فإن الجماهير تتحرك نحو اليسار. كيرينسكي وتسيريتيلي وأفكسنتييف نهايتهم قريبة…

سوف تتأرجح البرجوازية الصغيرة إلى جانبنا. وبأخذنا لهذا في الاعتبار يصير من الواضح أن شعار “كل السلطة للسوفييتات” مازال صحيحا».

وأضاف مندوب آخر -فينبرغ- قائلا:

«الحكومة الحالية لن تكون قادرة على فعل أي شيء حيال الأزمة الاقتصادية؛ سوف تتأرجح السوفييتات والأحزاب السياسية نحو اليسار. غالبية القوى الديمقراطية تتجمع حول السوفييتات وبالتالي فإن رفض شعار: “كل السلطة للسوفييتات” يمكن أن تكون له عواقب وخيمة للغاية»[4].

كان لينين مخطئا في واقع الأمر، وهو ما اعترف به هو نفسه لاحقا. كان يعيش في ظروف السرية ومعزولا عن الوضع الملموس لذا لم يتمكن من قراءته بشكل صحيح. وقد أظهرت التطورات اللاحقة أن البلاشفة كان ما يزال بإمكانهم كسب الأغلبية داخل السوفييتات وإلحاق الهزيمة بالزعماء الإصلاحيين اليمينيين، وهذا بالضبط هو ما ضمن نجاح ثورة أكتوبر. يبدو ذلك واضحا جدا الآن إلى درجة أنه من غير الضروري إضافة أي تعليق. ومع ذلك فإنه لم يكن أي شيء مضمون آنذاك. استمر الكر والفر طوال الصيف، وكان لمخاوف لينين ما يبررها.

كانت نقطة التحول الحاسمة هي بالضبط تلك اللحظة التي بدا فيها كما لو أن البلاشفة تعرضوا لهزيمة حاسمة وأن المبادرة انتقلت إلى يد الثورة المضادة. طوال صيف عام 1917 ، واصل البندول التأرجح نحو اليمين. في 18 يوليوز، تم استبدال الجنرال بروسيلوف بالجنرال لافار كورنيلوف، وهو مغامر لم يكن ينحدر من الارستقراطية، على عكس معظم أعضاء فئة الضباط الآخرين، بل كان ابنا لملاك عقاري قوزاقي صغير. كان كورنيلوف إنسانا شجاعا وكان أيضا متمردا مجبولا على عدم الامتثال للأوامر. وبسبب ضيق نظرته وأميته السياسية، كان لديه حل عسكري لجميع المشاكل: فليس هناك في روسيا من مشكلة لا يمكن حلها بوابل من الرصاص وضربة من سوط ضابط. كان يقال عنه إنه “بقلب أسد ودماغ خروف”.

وتأكيدا منه على المطلب الرئيسي لقوى الثورة المضادة، أصر كورنيلوف على إعادة تطبيق عقوبة الإعدام في الجبهة، حيث قام، عمليا، بتطبيقها بالفعل من خلال إصدار الأوامر بإطلاق النار على الجنود الفارين. ولقبول تولي القيادة العليا، أملى كورنيلوف شروطه على كيرينسكي. فبالإضافة إلى إعادة فرض عقوبة الإعدام، طالب بحظر الاجتماعات في الجبهة، وحل الفيالق الثورية ووضع حد لسلطات لجان الجنود. وفي وقت لاحق تم توسيع هذه المطالب لتشمل اعادة فرض عقوبة الإعدام على المدنيين وفرض الأحكام العرفية وحظر الإضرابات في مصانع السلاح والسكك الحديدية، تحت طائلة الإعدام. كان هذا برنامجا مكتملا لفرض دكتاتورية رجعية صريحة.

كيرينسكي، من جانبه، لم يعترض على أي من هذه الإجراءات، باستثناء توقيت فرضها ربما. كان خلافه الرئيسي مع كورنيلوف هو أنه لا يمكن أن يكون هناك سوى بونابرت واحد، وكان كيرينسكي مصمما على الاحتفاظ بهذا الدور لنفسه. ومع ذلك فإن الصراعات الشخصية لم تمنع كيرينسكي من الاتصال بكورنيلوف والمشاركة في المؤامرة. لقد دفع هذا بالمؤرخين، أمثال أورلاندو فيغز، إلى الافتراض أن كورنيلوف لم يكن أبدا ينوي الإطاحة بكيرينسكي وتنصيب نفسه ديكتاتورا، بل فقط إنقاذ الحكومة المؤقتة من البلاشفة. لكن أبحاث فيغز نفسها تتناقض مع هذا الادعاء، حيث يقول:

«ليس هناك من ينكر أن الكثير من أنصار كورنيلوف كانوا يحثونه على التخلص من الحكومة المؤقتة بالكامل. فنقابة الضباط، على سبيل المثال، وضعت مخططات لانقلاب عسكري، في حين أن “كونفرانس المسؤولين العموميين”، الذي انعقد في منتصف غشت، والذي كان يتشكل في معظمه من أعضاء حزب الكاديت ورجال أعمال يمينيين، قد شجع كورنيلوف بوضوح على السير في هذا الاتجاه. وفي مركز هذه الأوساط اليمينية كان هناك فاسيلي زافويكو، وهو شخصية غامضة إلى حد ما -مضارب وصناعي وصحفي ومتآمر سياسي- كان، حسب الجنرال مارتينوف، بمثابة “المستشار الشخصي لكورنيلوف، بل ويمكن للمرء أن يقول مرشده فيما يتعلق بمسائل الدولة”. كانت خطط زافويكو الانقلابية معروفة على نطاق واسع لدرجة أنه حتى وايتهول سمع عنها: ففي وقت مبكر من يوم 08 غشت، أبلغت وزارة الخارجية في لندن سفيرها في بتروغراد، بوكانان، أنه وفقا لمصادرها العسكرية فإن زافويكو يخطط للإطاحة بالحكومة المؤقتة. كما لا ينبغي أن ينكر المرء أن كورنيلوف نفسه كانت لديه طموحاته الخاصة في المجال السياسي -نزعة تمجيد كورنيلوف، التي ساهم في خلقها، كانت تجسيدا واضحا لذلك- ولا بد أن يكون قد أحس بالإغراء من خلال الإلحاح المستمر لأنصاره، من أمثال زافويكو، لاستغلال شعبيته الهائلة من أجل تنصيب نفسه ديكتاتورا»[5].

طريقة فيغز في التحليل مثيرة للشفقة، حيث يعتمد على أن كورنيلوف كان يزعم أن زحف جيشه على بتروغراد لم يكن إلا من أجل “إنقاذ” الحكومة من “الانقلاب البلشفي”، الذي قيل إنهم يخططون للقيام به في نهاية غشت. كان “الانقلاب البلشفي” مجرد افتراء، وكان من الواضح أن اختلاقه كان مبررا لقيام كورنيلوف بتوجيه الأمر للجنرال كريموف بالزحف على بتروغراد. ولا يتعين على المرء أن يكون عبقريا لكي يرى أن كورنيلوف كان يستخدم فقط التكتيك المعروف المتمثل في إخفاء العمل الهجومي تحت ستار إجراء دفاعي. فمن خلال التظاهر بأنه يسعى “لإنقاذ” الحكومة الحالية، كان سوف يضعها تحت رحمته، ثم سيكنسها جانبا وينصب نفسه ديكتاتورا. هذا السيناريو ليس جديدا. إنه نفس الطريق القديم الذي يجتازه كل البونابارتيين، بدء من نابليون.

حاول البونابرتي الطموح الآخر، كيرينسكي، عقد صفقة مع كورنيلوف من خلال مبعوثه، النائب الأكتوبري ف. ن. لفوف. لكن كورنيلوف أخبر لفوف أنه يطالب بصلاحيات ديكتاتورية لنفسه. لم يكن هناك مجال لبونابرت ثان! عندها فقط بدأ كيرينسكي يندد بـ “مؤامرة كورنيلوف المضادة للثورة” ضد الحكومة. أصد الأمر لكورنيلوف بسحب قواته. لو أنه كان بالفعل يعمل لإنقاذ الحكومة المؤقتة، لكان خضع للأوامر وتراجع إلى الثكنات. لكنه، بدلا من ذلك، أعلن عزمه على “إنقاذ روسيا” من حكومة أصبحت الآن تحت سيطرة البلاشفة!

في 25 غشت بدأ الجنرال كورنيلوف زحفه على بتروغراد. كان ذلك بمثابة تحول مفاجئ وحاد في الأحداث، وهو ما يعد أحد الخصائص الرئيسية للفترة الثورية. نرى هنا أهمية التكتيكات، التي بطبيعتها يجب أن تكون مرنة، بحيث يمكن للحزب الثوري تغيير المسار في غضون أيام، أو حتى ساعات إذا لزم الأمر. كان السؤال المطروح هو: ما هو الموقف الذي يجب على البلاشفة أن يتخذوه في الصراع بين كيرينسكي وكورنيلوف؟ على الرغم من السياسة القمعية والمعادية للثورة التي نهجتها الحكومة، كان من الضروري الانضمام إلى الكفاح ضد قوى الردة الرجعية المفتوحة التي كان يمثلها كورنيلوف. لقد فهم العمال ذلك بشكل غريزي، بمن فيهم العمال البلشفيون في منطقة فيبورغ، الذين كانوا أول من سارعوا إلى الدفاع عن بتروغراد.

كان القادة الإصلاحيون في اللجنة التنفيذية السوفياتية، الذين شعروا بالقلق من هذا التحول في الأحداث، مضطرين إلى إصدار الدعوة للعمال للدفاع عن الثورة. تمت دعوة البلاشفة للمشاركة في لجنة الكفاح ضد الثورة المضادة. تم إطلاق سراح القادة البلاشفة، بمن فيهم تروتسكي، من السجون التي كانوا يقبعون فيها منذ أحداث يوليوز. وعلى الفور قبل البلاشفة بعرض تشكيل جبهة موحدة، وانخرطوا بقوة في الكفاح ضد الثورة المضادة. ومع ذلك فإن السياسة البلشفية لم تكن تعني بأي حال من الأحوال دعم الحكومة المؤقتة، كما أوضح لينين قائلا:

«حتى في الوقت الحالي يجب علينا ألا ندعم حكومة كيرينسكي. هذا غير مبدئي. قد يطرح علينا السؤال التالي: ألن نحارب كورنيلوف؟ بالطبع يجب علينا ذلك! لكن هذا ليس الشيء نفسه؛ يوجد خط فاصل هنا، خط تخطاه بعض البلاشفة الذين سقطوا في التوفيقية وسمحوا لأنفسهم بأن يجرفهم مسار الأحداث.

سنقاتل ضد كورنيلوف، ونحن نقاتل ضده، تماما مثلما تفعل قوات كيرينسكي، لكننا لا ندعم كيرينسكي. وعلى العكس من ذلك، نحن نكشف ضعفه. هنا يوجد الفرق. إنه بالأحرى فرق بسيط، لكنه ضروري للغاية ويجب عدم نسيانه»[6].

صرح لينين بأن البلاشفة سوف يستخدمون كيرينسكي “كمسدس احتياطي” للقتال ضد كورنيلوف، وبعد ذلك، عندما سيصيرون أقوياء بدرجة كافية، سيعودون لتصفية الحساب معه:

«نحن نغير شكل كفاحنا ضد كيرينسكي. وبدون التخفيف من عداءنا تجاهه، ودون التراجع عن أي كلمة قلناها ضده، ودون التخلي عن مهمة الإطاحة به، نقول إنه يجب علينا أن نأخذ في الاعتبار الوضع الحالي. يجب علينا ألا نعمل على الاطاحة بكيرينسكي الآن. علينا أن نخوض الكفاح ضده بطريقة مختلفة، أي أنه يجب علينا أن نوضح للشعب (الذي يقاتل ضد كورنيلوف) ضعف كيرينسكيوتذبذبه. لقد تم القيام بذلك في الماضي أيضا. لكنه صار الآن الشيء الأكثر أهمية وهذا ما يشكل التغيير»[7].

هذا هو جوهر تكتيك لينين طوال عام 1917: عدم مهاجمة القادة الإصلاحيين مباشرة، بل التغلب عليهم. العمل على مهاجمة العدو الرئيسي: كبار ملاكي الأراضي والرأسماليين وقوى الردة الرجعية، وإعطاء الدليل في الممارسة على أن الإصلاحيين عاجزون عن خوض النضال ضد الرجعية، وغير قادرين على التصرف بحزم لصالح العمال والفلاحين.

كان ذلك مثالا كلاسيكيا للسياسة اللينينية للجبهة الموحدة في الممارسة. ألقى البلاشفة بثقلهم في النضال إلى جانب العمال والجنود المناشفة والاشتراكيين الثوريين، الذين كانوا قد صدقوا في وقت سابق التشهير القائل بأن البلاشفة “عملاء ألمان”. لقد أثبتوا في الممارسة أنهم كانوا أفضل المقاتلين ضد الثورة المضادة، وبالتالي وضعوا الأساس لكسب جماهير العمال والجنود الذين كانوا حتى ذلك الوقت يساندون القادة الإصلاحيين.

لا شك في أن مشاركة البلاشفة كانت حاسمة في إلحاق الهزيمة بكورنيلوف، وهو ما يعترف به حتى فيغز المناهض للبلاشفة، حيث يقول:

«مثلت لجنة النضال جبهة موحدة للحركة السوفياتية بأكملها، لكنها كانت تعتمد فعليا على المنظمة العسكرية البلشفية، والتي بدونها، على حد تعبير سوخانوف، “كان يمكن أن يمر الوقت في إصدار النداءات وإلقاء الخطب الفارغة من قبل خطباء فقدوا سلطتهم”. وحدهم البلاشفة من كانت لديهم القدرة على تعبئة وتسليح جماهير العمال والجنود، وقد عملوا بتعاون وثيق مع خصومهم داخل السوفييتات»[8].

عمل البلاشفة باستخدام الأساليب الثورية على تعبئة العمال ضد الكورنيلوفيين. كان الكورنيلوفيون من الناحية النظرية يمتلكون قوة هائلة. كانت قواتهم الصدامية تسمى الفرقة الهمجية، وتم تجنيدها من بين القبائل الجبلية المحاربة في شمال القوقاز. لكن سرعان ما توقفت حركة القوات الرجعية، بقيادة الجنرال كريموف. قام عمال السكك الحديدية بتخريب حركة القطارات حيث أخرجوها عن مسارها وأطاحوا بها جانبا، كما لو بأيد خفية. وبمجرد ما تم إيقاف تقدم القوات، اخترق المحرضون البلاشفة صفوف القوات المتمردة وأقنعوا القوزاق بعدم القتال. قام وفد من مسلمي القوقاز الذين تصادف وجودهم في مؤتمر السوفييتات في بتروغراد وقت التمرد بمخاطبة أعضاء الفرقة الهمجية بلغتهم الأصلية. وسرعان ما بدأ الجنود أنفسهم يلقون القبض على الضباط المتمردين، في حين انتحر كريموف، وتحطمت ثورة كورنيلوف مثلما تنكسر الموجة على صخر الشاطئ.

كتب ماركس ذات مرة أن الثورة تحتاج إلى سوط الثورة المضادة لكي تتقدم، وقد أكدت الأحداث أن ذلك صحيح. وما كان من المفترض منه أن يكون الخطوة الحاسمة للثورة المضادة تحول إلى نقيضه. لقد أعطت هزيمة كورنيلوف دفعة قوية للثورة. انقلب الجنود في كل مكان ضد ضباطهم، وتم القبض على الكثير منهم على يد جنودهم. تعرض الضباط الممقوتون منهم للإعدام. وصوتت مجالس الجنود لصالح التوقيع الفوري على السلام، ونقل السلطة إلى السوفييتات. كما أنهم صوتوا بأقدامهم، حيث تفككت وحدات كاملة، وعاد الجنود الفلاحون إلى قراهم. وبدوره كان وصول الكثير من العناصر الراديكالية من الجبهة بمثابة حافز لاندلاع ثورات الفلاحين التي شهدها شهر شتنبر. لقد دخلت الثورة مرحلتها الحاسمة.

آلان وودز

ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

هوامش:

[1] A. Rabinowitch, The Bolsheviks Come to Power, p. 62 and p. 59.

[2] لويس كافينياك جنرال فرنسي شغل منصب وزير الحربية في الحكومة المؤقتة التي جاءت بعد ثورة فبراير 1848 في فرنسا، قام بقمع انتفاضة عمال باريس في يونيو من تلك السنة.

[3] LCW, On Slogans, vol. 25, p. 188 and p. 189.

[4] A. Rabinowitch, Bolsheviks Come to Power, p. 68.

[5] O. Figes, A People’s Tragedy: The Russian Revolution 1891-1824, pp. 445-46.

[6] LCW, To the CC of the RSDLP, vol. 25, pp. 289-90.

[7] LCW, To the CC of the RSDLP, vol. 25, p. 290.

[8] O. Figes, A People’s Tragedy: The Russian Revolution 1891-1924, p. 452.