بريطانيا: عام على بداية كارثة كوفيد -19

نشر هذا المقال على موقع رفاقنا في الفرع البريطاني للتيار الماركسي الأممي، النداء الإشتراكي، يوم 23 مارس 2021 وهو اليوم الذي صادف الذكرى السنوية الأولى على دخول بريطانيا في حالة الإغلاق، نعيد نشره على موقعنا نظرا لراهنيته ولما يتضمنه من منظورات حول ضرورة التنظيم لاسقاط حكومة المحافظين الفاسدة ـ والنظام الرأسمالي الفاسد الذي يدافعون عنه.


[Source]

في منتصف اليوم[23 مارس]، سنلتزم الصمت لمدة دقيقة حداداً على أرواح جميع من ماتوا جراء الوباء. يصادف هذا اليوم مرور عام منذ دخلت المملكة المتحدة ــ في وقت متأخر ــ أول إغلاق عام علي المستوي البلاد لها.

في تلك المرحلة، لم يدرك أحد المأساة والمشقة التي تنتظرنا. قبل أكثر من عام بقليل، في 17 مارس 2020، أكد كبير المستشارين العلميين للحكومة، السير باتريك فالانس، أن 20،000 حالة وفاة ستكون “نتيجة جيدة”. ولكن هذا الرقم “المتفائل” تم الوصول إليه في غضون أسابيع.

بعد اثني عشر شهرا وثلاثة فترات إغلاق عام علي مستوي البلاد، ووفاة ما يقرب من 150،000 شخص في بريطانيا الآن بسبب كوفيد -19، وفقا للأرقام الرسمية. طوال هذه الفترة، تصدرت المملكة المتحدة جداول الترتيب العالمية باستمرار من حيث معدلات الوفيات الناجمة عن الفيروس الجديد.

لا يوجد شيء “طبيعي” في هذه الكارثة. منذ اليوم الأول، كانت التصرفات المتهورة من جانب حكومة حزب المحافظين المتغطرسة هي التي أدت إلى كارثة مطلقة، مما أدى إلى تفاقم أزمة فيروس كورونا وتسببت في عشرات الآلاف من الوفيات التي كان يمكن تجنبها.

يأمل بوريس جونسون ووزرائه أن يتم نسيان كل شيء الآن بعد أن أصبح الضوء في نهاية النفق، مع نهاية الإغلاق الأخير، ونشر اللقاح بسرعة في جميع أنحاء البلاد.

ولكن الناس العاديين لا يملكون مثل هذه الذاكرة القصيرة. لن تمحى جرائم المحافظين من الوعي الجمعي للطبقة العاملة بهذه السهولة. وأولئك الذين عانوا ــ في المقام الأول العمال، والشباب، وشرائح المجتمع الأكثر قهراً وضعفاً ــ سوف يتذكرون دوماً الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها هذه الحكومة.

إن أيدي المحافظين ملطخة بالدماء وقد حان الوقت لتقديمهم إلى العدالة -من خلال تنظيم طردهم من الحكومة.

التحقق و التحقيق

الذين قاتلوا على خط المواجهة أعربوا بوضوح عن غضبهم وغضبهم. صرحت إحدى الممرضات، متحدثة إلى الجارديان جنبا إلى جنب مع عمال الصحة والرعاية الآخرين، أن “على شخص ما الإجابة على هذا”، عن الحاجة إلى إجراء تحقيق رسمي في سوء تعامل حكومة المحافظين مع الوباء.

ومن غير المستغرب أن الحكومة نفسها رفضت هذه الفكرة، حيث قال المتحدث بأسم داونينج ستريت “الآن ليس الوقت المناسب”.

لكن يبدو أن الرأي العام لا يتفق مع ذلك. ووفقاً لاستطلاع حديث للآراء، فإن ما يقرب من نصف الذين شملهم الاستطلاع يؤيدون الدعوة إلى إجراء تحقيق مستقل. وعلى سبيل المقارنة، عارض 18 ٪ فقط الطلب على إجراء تحقيق حول كوفيد-19.

من المؤكد أن هذا التحقيق سيحتوي علي الكثير من الأدلة التي يمكن فحصها وإلى شهود يمكن استدعائهم. فقد شهد العام الماضي سلسلة من الأخطاء القاتلة من قِبَل هذه الحكومة من المحتالين والدجالين.

منذ البداية، كان بوريس جونسون والمحافظون “يسيرون نائمين نحو الكارثة”، مع غياب رئيس الوزراء أسابيع حرجة من وقت الإستعداد المحتمل.

حتى مع انتشار الفيروس في شمال إيطاليا في أوائل مارس، كان رئيس الوزراء يتفاخر بأنه “صافح الجميع” أثناء زيارته لأحدي المستشفيات كجزء من واجباته.

بحلول 16 مارس، وعلى الرغم من التنبؤات الكثيرة المزعجة الصادرة عن المجموعة الاستشارية العلمية لحالات الطوارئ (SAGE)، كانت الحكومة لا تزال تتباطأ بشأن فرض القيود. بدلا من ذلك، كما لوحظ طوال الوباء، حاول الرأسماليون وممثليهم السياسيين الحفاظ على الاقتصاد مفتوحا، وإعطاء الأولوية للأرباح على الأرواح.

لكن تلك الغطرسة سرعان ما تحولت إلى أزمة. مع ارتفاع أعداد الحالات بشكل كبير، ومع التحذيرات من أن قطاع الخدمات الصحية الوطنية يوشك علي الانهيار، اضطر بوريس جونسون إلى إعلان إغلاق وطني شامل اعتبارا من 23 مارس -قبل عام من اليوم.

أخطاء وجرائم وفضائح

ثبت أن هذه المراوغة قاتلة. وبحلول شهر يونيو/حزيران من العام الماضي، قَدَّر الدكتور نيل فيرجسون، وهو عالم وبائيات من كلية إمبريال كوليدج في لندن، والذي قاد الجهود الرامية إلى صياغة نموذج لانتشار الفيروس، أن التأخير لمدة أسبوع في تطبيق الإغلاق كان سبباً في مضاعفة عدد الوفيات في المملكة المتحدة.

حتى مع تطبيق القيود، تمكنت حكومة حزب المحافظين من ارتكاب خطأ تلو الآخر.

تحت ضغط رجال الأعمال، سُمح لأماكن العمل مثل مواقع البناء وغيرها من الأعمال غير الأساسية أن تبقى مفتوحة، مما وفر تربة خصبة للعدوى. ولم يتم شراء معدات الوقاية الشخصية الحيوية وغير ذلك من المعدات الطبية، حيث أبرم وزراء حزب المحافظين بدلاً من ذلك عقوداً سخية لأصدقائهم وحلافائهم. وتم نقل المرضى المصابين من المستشفيات إلى دور الرعاية، مما أدى إلى زيادة كبيرة في الحالات والوفيات بين كبار السن والضعفاء.

في البداية، اجتمعت الجماهير وساد مزاج “الوحدة الوطنية”. ولكن هذه “الروح الخاطفة” سرعان ما تبددت، مع ارتفاع عدد القتلى وظهرت جرائم المحافظين هذه إلى النور.

اتخذ دعم الحكومة منعطفا حادا تجاه “قضية كامينغز”، مع الكشف عن أن المستشار السياسي الرئيسي لرئيس الوزراء قد انتهك قيود فيروس كورونا في ذروة الإغلاق. ومنذ ذلك الحين، لم يكن أحد ليستمع إلي المحافظين وهم يوجهون أصابع الاتهام ضد حمامات الشمس، والتواصل الاجتماعي بين الشباب، ومجتمعات السود والآسيويين و الشرق أوسطيين.

خارج السيطرة

مع انحسار الصيف استمر تهور الحكومة.

وتم وضع الأرباح قبل الأرواح مرة أخرى، ناشد المستشار ريشي سوناك الناس أن “يأكلوا في الخارج للمساعدة”. وفي تجاهل لنصيحة النقابات، مارس المحافظون الضغوط على الطلاب لحملهم على العودة إلى المدارس والجامعات، حتى يصبح بوسع الآباء العودة إلى العمل، وحتى يصبح بوسع مديري الجامعات ومالكي العقارات أن يسحبوا الرسوم والإيجارات.

حتى مع بدء ارتفاع عدد حالات الإصابات بالفيروس في سبتمبر/أيلول، تجاهلت الحكومة توصيات فريق الخبراء الاستشاري باتخاذ تدابير أكثر صرامة للحد من العدوى، بدلاً من ذلك أدخلت نظام غير فعال للمستويات وحظر التجول.

في نهاية المطاف، تم فرض الإغلاق الوطني الثاني -ما يسمى “قاطع الدائرة” – ستة أسابيع بعد أن دعت لذلك المجموعة الاستشارية العلمية لحالات الطوارئ (SAGE). لكن عندما وصلنا لتلك النقطة، كانت الاجرائات قليلة جدا ومتأخرة جدا، وكان الفيروس أصبح خارج السيطرة حقا.

كان من الممكن، بالطبع، السيطرة على الفيروس، لو تم اتخاذ الخطوات المناسبة: إغلاق جميع الأعمال التجارية غير الأساسية، إعطاء إجازة مرضية مدفوعة الأجر بشكل كامل وإقامة مجانية لمن يحتاجون إلى العزلة، وقبل كل شيء، إنشاء نظام اختبار وتتبع يعمل بكامل طاقته – ليس في أيدي طفيليات التربح مثل شركة Serco، ولكن تحت أيدي الشركات العامة وسيطرتها.

بدلا من ذلك، مع اقتراب موسم الاحتفالات، تم إنهاء الإغلاق الثاني قبل الأوان، وتم السماح للمحلات التجارية بأن تفتح أبوابها لمدة 24 ساعة في اليوم، وسمح لفيروس كورونا أن يتفشى في المجتمع.

لا عجب إذن أن بوريس جونسون أجبر في نهاية المطاف على الاعتراف بالهزيمة، وإلغاء احتفالات عيد الميلاد، واعلان إغلاق وطني ثالث في بداية هذا العام.

الدعم السطحي

بعد أحد عشر أسبوعا، مع ازدياد الأيام إشراقا وقرب انتهاء السبات الشتوي، يبدو أن حظوظ رئيس الوزراء تتحسن، المحافظين يتمتعون “بدفع اللقاح” في استطلاعات الرأي.

غير أن هذا الدعم سطحي للغاية في الواقع. إن هذه الإحصائيات سريعة الزوال تخفي عدم الاستقرار الحقيقي الذي تعاني منه حكومة المحافظين ـ الحكومة الغارقة بالتناقضات والأزمات.

وعلى الرغم من استحواذه علي أغلبية قوية بلغت ثمانين عضوا، إلا أن حكومة جونسون عبارة عن تمثال ضخم ذو أقدام من طين. وقد تجلى هذا مرات لا حصر لها خلال العام الماضي من خلال التحولات المفاجئة والصاخبة التي لا تنتهي من جانب المحافظين: من درجات الامتحانات إلى الوجبات المدرسية المجانية.

ورغم أن النجاح الذي تحقق في إطلاق اللقاحات (في أغلب الأحوال) واحتمال إقامة علاقات اجتماعية صيفية قد يجلب بعض الراحة للمحافظين، فإن المنظور البعيد الأمد للرأسمالية البريطانية ـ والعالمية ـ لن يفعل.

وقد حاول ريشي سوناك تغطية الشقوق بميزانيته الأخيرة، واعداً بمليارات أخرى من المساعدات الحكومية لدعم الاقتصاد في الأشهر المقبلة. ومثله كمثل دعم المحافظين، فمن المرجح أن يشهد اقتصاد المملكة المتحدة أيضاً ارتداداً مؤقتاً للقاح، مع إطلاق “الطلب المكبوت”.

ولكن في نهاية المطاف، سيتم إزالة أجهز الأوكسجين. شركات الزومبي ستنهار وسوف يواجه الملايين من العمال الذين يعيشون في إجازة حالياً طابور استحقاقات البطالة وتعقيداته. وسوف يُفرَض التقشف على المجتمعات التي واجهت بالفعل أكثر من عقد من التخفيضات في ظل حكم المحافظين.

أي نية حسنة متبقية تجاه الحكومة ستتبخر بسرعة في هذه المرحلة، وسيتم دفع موجة تلو الأخرى من العمال للنضال.

إن ردود الفعل العنيفة الأخيرة على أجور الممرضات والقوانين الجديدة المناهضة للاحتجاج، هي نذير الأحداث المضطربة والمزاج النضالي الذي ينتظرنا. وهذا -وليس المشاعر العابرة والاتجاهات العابرة -هو ما يجب أن يستند إليه اليسار والحركة العمالية.

المعارضة والتنظيم

لسوء الحظ، جونسون ووزرائه تمكنوا حتى الآن من الإفلات بجرائمهم بفضل عدم وجود معارضة من حزب العمال بقيادة ستارمر.

وإذا كان المحافظون يتقدمون في استطلاعات الرأي حول الانتخابات التي ستجري في مايو/أيار المقبل، فهذا يرجع فقط إلى أنهم كانوا مدعومون ضمنياً عند كل منعطف من قِبَل “السير” كير ستارمر، الذي سقط على نفسه لكي يثبت للطبقة الحاكمة كم هو رجل دولة “جدير بالاحترام” و “جدير بالثقة”.

لكن في أماكن أخرى من الحركة العمالية رأينا كيف يتمكن العمال ـ حين يعبئون وينظمون أنفسهم ـ من توجيه ضربة قوية للمحافظين. وقد تجلى هذا في بضعة أيام فقط في عام 2021، عندما أجبر الإضراب الجماعي من قبل المعلمين الحكومة على التراجع بشأن مسألة المدارس الآمنة.

ينبغي لقادة العمال والنقابات أن يتعلموا الدرس. إذا كان العمال يريدون أن ينجحوا في مقاومة هجمات المحافظين والرؤساء في الفترة المقبلة، فيتعين عليهم أن يتعلموا من المعلمين.

نظام متعفن

في نهاية المطاف، لا تحتاج الطبقة العاملة إلى تحقيق رسمي ينبهها بما تعرفه بالفعل: أن المحافظين مسؤولين عن جريمة القتل الجماعية في المجتمع.

على أية حال، فإن ثقة العمال في مثل هذه التحقيقات ضئيلة للغاية. من هيلزبره إلى غرينفيل، من تشيلكوت إلى ليفيسون: ما الذي حققته تلك التحقيقات “المستقلة” في الواقع بشكل ملموس من حيث توفير العدالة؟

لم يعتقل أحد في جميع هذه الحالات، ولم يتم توجيه اتهامات جنائية لأحد. بدلاً من ذلك، سعت المؤسسة الحاكمة إلى حماية نفسها.

تم تأسيس النظام بالكامل على هذا النحو ــ لصالح النخبة وأرباحهم وامتيازاتهم وسلطتهم. الرأسمالية هي العنف المنظم والسرقة، نهب الفقراء لزيادة مال الأثرياء.

لقد ازداد ثراء فاحشي الثراء خلال الوباء. في حين أن أصدقاء حزب المحافظين في الشركات الكبرى يملأون جيوبهم بالفساد والمحسوبية، فقد واجه ملايين العمال فقدان وظائفهم وخفض رواتبهم، وملايين آخرين وضعوا حياتهم في خطر على خط المواجهة.

إن السبيل الوحيد لتحقيق العدالة لكل من عانوا من هذه الكارثة يتلخص في قيام العمال والشباب بتنظيم أنفسهم واسقاط حكومة المحافظين الفاسدة ـ والنظام الرأسمالي الفاسد الذي يدافعون عنه.