في وداع الرفيق لال خان: حوار حول تاريخه النضالي والأوضاع السياسية في شبه الجزيرة الهندية

الرفيق تانفير غوندال (لال خان) لم يعد بيننا. لقد رحل الرفيق لال خان يوم الجمعة 21 فبراير 2020، بعد أن قضى كل حياته في النضال من أجل الاشتراكية وغد أفضل لباكستان وشبه الجزيرة الهندية والعالم بأسره. وبهذه المناسبة نتقدم بأحر التعازي للطبقة العاملة الباكستانية والأممية جمعاء لهذه الخسارة الفادحة. صحيح أنه فرقتنا خلال السنوات الأخيرة اختلافات نظرية وسياسية جدية، كما قال الرفيق آلان وودز في تأبينه له، لكن ذلك لا يمنع من أن نعترف له بأنه أحد أعظم المناضلين العماليين الثوريين الذين أنجبتهم باكستان. وفي هذا الصدد نعتبر أن أفضل عزاء هو مواصلة النضال من أجل القضية التي كرس حياته لأجلها، قضية النضال من أجل التغيير الاشتراكي للعالم.

[Source]

ونعمل هنا على نشر ترجمة الحوار الذي أجراه معه الرفيق جون بيترسون، العضو القيادي في الفرع الأمريكي للتيار الماركسي الأممي سنة 1999، والذي على الرغم من مرور أزيد من 20 سنة عليه يبقى ذا راهنية كبرى وقدرة عظيمة على الإلهام.

مقابلة مع لال خان من باكستان

جون بيترسون: أخبرنا قليلا عن نفسك.

لال خان: إسمي لال خان، وأنا ناشط سياسي، أنشط داخل حزب الشعب الباكستاني في باكستان. كنت مناضلا طلابيا، درست الطب في جامعة باكستان، وكنت الأمين العام للتنظيم الطلابي في كلية الطب. ثم جاءت الديكتاتورية، وكان هناك الكثير من القمع، قمنا بقيادة الحركة الطلابية في نضالها ضد الديكتاتورية من أجل حقوق الطلاب والشعب بشكل عام، فتم قمعنا من طرف النظام العسكري والجنرال ضياء. ثم حُكم علي بالسجن لمدة عام وخمس عشرة جلدة، وغرامة قدرها 20.000 روبية. قضيت في السجن مدة عام ثم أُفرج عني، فأرسلت إلى كلية بجامعة في إسلام آباد. قضيت هناك أربعة أشهر، لكن وبسبب أنشطتي السياسية والكفاح من أجل الإطاحة بالدكتاتورية، حُكم علي بالإعدام غيابيا فاضطررت إلى الفرار وجئت إلى المنفى في عام 1980. تخرجت من جامعة أمستردام، وقضيت في المنفى بأمستردام مدة ثماني سنوات، ثم عدت إلى باكستان، هناك تركت مهنتي كطبيب، وأنا الآن أعمل مناضلا ثوريا محترفا منذ ذلك الحين. نحن نناضل من أجل التغيير الاجتماعي في باكستان وضد الأصولية وضد الرأسمالية ومن أجل تحرر الشعب.

جون بيترسون: كيف هي الأوضاع في باكستان والهند وأفغانستان؟

لال خان: حسنا، كانت الهند وباكستان وأفغانستان دولة واحدة منذ حوالي 5000 عام. ثم حدث التقسيم في عام 1947 [تقسيم الهند وباكستان]. وبعد مرور 50 عاما على ذلك التقسيم الذي أطلق عليه اسم “الاستقلال”؛ حلت الطبقة الحاكمة المحلية محل الإمبرياليين البريطانيين الذين كانوا يحكمون قبل ذلك. لقد أظهرت تجربة الخمسين سنة الماضية أن الطبقة الحاكمة فشلت بشكل كامل في تطوير المجتمع. مستويات المعيشة ومستويات الصحة في شبه القارة الهندية [الهند وباكستان] هي اليوم، وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة، أقل مما كانت عليه عام 1857. وهذا يدل على أن كل التقدم الذي تم إحرازه على المستوى العالمي لم ينعكس في رفع مستوى المعيشة لأكثر من 1,3 مليار شخص في شبه القارة الهندية.

وقد أدى عجز الرأسمالية والنخبة الحاكمة عن تطوير المجتمع وتقديم حل لتلك المشاكل، إلى خلق اضطرابات شديدة وانتشار الفقر والأمراض والبؤس. وقد أدى ذلك إلى الحروب والصراعات الاثنية، وتدهور مستويات المعيشة والحياة نفسها. نواجه الآن وضعا تقف فيه شبه القارة بأكملها على حافة الهمجية. وأفغانستان مثال حي عن الهمجية. حيث يتم جلد النساء إذا ما قمن فقط بارتداء جوارب بيضاء، وحيث تهان كرامة الإنسان بشكل كامل. في الواقع لقد انهارت الحضارة في أفغانستان. ونرى ملامح ذلك في باكستان والهند أيضا، في شكل الأصولية الدينية، سواء الأصولية الهندوسية أو الأصولية الإسلامية. في البداية كانت هذه الأصولية تحت رعاية الإمبريالية الأمريكية والغرب. والآن بعد أن تمردت تلك التيارات الأصولية عليهم، ها هم يستغلون الوضع لتنفيذ سياساتهم الخاصة، وفرض ما يسمونه بالنظام “الديمقراطي”.

لكن لا توجد ديمقراطية حقيقية للشعب، كما لا توجد حقوق اقتصادية للشعب. وبالتالي فإن هذه الديمقراطية مجرد مهزلة، إنها دعاية كاذبة، إنها خدعة. والكفاح ما زال مستمرا. وإذا ما استمر الوضع الحالي، فإن هذه المجتمعات، التي تضم أكثر من مليار إنسان، ستغرق في الهمجية، والتي سوف تهدد في الواقع العالم بأسره. لذلك فإنه من الضروري إيقاف هذا الوضع وعدم السماح له بالاستمرار. لكن ذلك مستحيل في ظل النظام الرأسمالي. ففي ظل الرأسمالية لا يمكن أن نرى سوى مزيد من الدمار والمزيد من خراب المجتمعات. في ظل هذه الظروف يبقى الاحتمال الوحيد هو تغيير المجتمع، وأن تقوم الطبقات العاملة والشعوب بالاستيلاء على السلطة، وإقامة سلطة ديمقراطية على المجتمع والتخطيط للاقتصاد واستخدام كل الثروات وكل القوى العاملة وجميع الموارد لخدمة مصلحة البشرية جمعاء. وهذا غير ممكن إلا بإسقاط الرأسمالية بواسطة ثورة اشتراكية.

جون بيترسون: بماذا يمكنك أن تخبرنا عن كابول، أفغانستان؟

لال خان: أفغانستان بلد بتضاريس شديدة الوعورة، ولديها تاريخ طويل من الحروب، ومر منها الكثير من المحاربين والغزاة. لقد كانت أفغانستان مركزا للفصائل المتحاربة منذ قرون. لكن بعد ذلك حدثت بعض التغييرات فيها، وذلك بتأثير من الثورة الروسية. قام بعض الحكام، مثل الملك أمان الله في العشرينات من القرن الماضي، بإدخال بعض الإصلاحات، مما أدى إلى بعض التطور في أفغانستان. استمر هذا الوضع، وكان التطور سريعا وغير متكافئ. كانت كابول مدينة أكثر تطورا نسبيا، كانت تُعرف باسم باريس الشرق، كما كانت تُعرف باسم جوهرة الشرق. كانت مدينة متحررة جدا، أما اليوم ففي كابول لا تستطيع النساء حتى ارتداء الجوارب البيضاء. كانت كابول هي المدينة الوحيدة في كل جنوب آسيا حيث يمكن للنساء ارتداء التنورات القصيرة. أما اليوم فقد حدث تغيير كبير في كابول.

السبب الرئيسي هو أنه عندما عوض حزب الشعب الديمقراطي، وحكومة طراقي اليسارية، نظام داوود الرجعي في عام 1978، حاولوا تنفيذ الإصلاحات. لكنه لم يكن من الممكن تحقيق تلك الإصلاحات بالكامل، وذلك أولا بسبب الثورة المضادة التي أشعلها النظام الباكستاني والإمبريالية الأمريكية، لأنه لا يمكنهما تحمل وجود نظام يساري في أفغانستان يمكنه أن يشكل تهديدا لباكستان. وثانيا بسبب أخطاء النظام نفسه. فالنظام لم يعمل على تعبئة السكان بالكامل، كما لم يعمل على إصدار نداء من أجل الدعم الأممي للثورة التي حدثت. لم تكن لديه سياسة أممية، ولا وجود لأي إمكانية للتقدم على أسس قومية بالنسبة لأفغانستان. وبالتالي فقد انهار النظام في نهاية المطاف في 1989- 1990.

لم يحدث ذلك الانهيار بسبب الجهاد، أو ما سمي بـ”الحرب المقدسة” الذي خاضه الأصوليون [طالبان في الوقت الحاضر] برعاية وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، في أكبر عملية سرية على الإطلاق لوكالة CIA. كانت بيشاور، في أفغانستان، لعدة سنوات أكبر مقر لوكالة CIA بعد لانغلي، فرجينيا [حيث يوجد المقر الرئيسي]. لكنهم رغم ذلك لم يتمكنوا من هزيمة الحكومة اليسارية. لقد سقط نظام نجيب الله بسبب مشاكله الداخلية، وبعد ذلك انحدرت أفغانستان إلى مستنقع الاتجار في المخدرات والحروب والهمجية التي ترونها اليوم. وهذا هو الوجه الحقيقي للمجاهدين الذين تم تدريبهم وتطويرهم ورعايتهم ودعمهم وتمويلهم من طرف وكالة CIA والقوى الإمبريالية الأخرى.

إذن ما نراه في أفغانستان هو أنه لا توجد طريق تطور خاصة أو مستقلة لأفغانستان. هناك حرب هي في الأساس حرب بالوكالة، تخوضها فصائل مختلفة تدعمها قوى محلية وعالمية مختلفة. لذا فإن مستقبل الثورة في أفغانستان مرتبط أكثر بما يحدث في باكستان والهند وإيران والمنطقة بأسرها. هناك منظور إقليمي يتعين على جميع تلك البلدان أن تمر منه ويجب عليها أن تقبل به.

جون بيترسون: ماذا يمكنك أن تقول لنا بخصوص صحافتكم؟

لال خان: نصدر جريدة نصف شهرية باللغة الأردية، وهي اللغة الرئيسية في باكستان، كما نعمل على إصدار جريدة سندية شهرية، ننشرها في الجنوب باللغة السندية، التي هي لغة المقاطعة الصحراوية المعروفة باسم السند. كما ننشر جريدة ثنائية اللغة بالفارسية والبشتونية، وهما اللغتان المستخدمتان في أفغانستان وإيران، وبعض أجزاء باكستان. وهذه جريدة فصلية.

جون بيترسون: ما هي الحملات التي انخرطتم فيها مؤخرا؟

لال خان: الحملة الرئيسية هي حملة الدفاع عن النقابات، والتي هي حملة تهدف إلى الدفاع عن حقوق العمال ضد الاعتداءات البدنية التي يتعرض لها النشطاء النقابيون، ومساعدة العمال في نضالهم ضد الخصخصة، وضد تشغيل الأطفال، وضد استغلال النساء، وضد اضطهاد الأقليات وضد هجمات النظام على الطبقة العاملة ومحاولات انتزاع حقوقهم. هذه هي الحملة الرئيسية التي نطلقها في الوقت الحالي.

جون بيترسون: ماذا يمكنك أن تخبرنا عن الوضع المالي للمنظمة؟

لال خان: حسنا، إن الوضع المالي سيء جدا لأننا لا نؤمن بالحصول على مساعدات من أي حكومة أو أي منظمات غير حكومية، أو أي مؤسسات غربية حكومية أو شبه حكومية، لأنهم يستخدمون تلك المساعدات لإفساد الناس، ولا تجلب حقا التغيير الاجتماعي في المجتمع. هناك عدد كبير من المنظمات غير الحكومية التي تقدم الرواتب لناشطين يساريين وتستخدمهم في أعمال تافهة، وتصرفهم عن الهدف الرئيسي المتمثل في إحداث التغيير الاجتماعي. ولذلك فإن مصدر تمويلنا الرئيسي هو العمال والشباب، وأولئك الذين يدعموننا، وليس من الطبقات الحاكمة، بل من الطبقات المضطهَدة. لذلك فنحن في وضع مالي سيء للغاية، وبالتالي فإننا نواصل القيام بمهامنا بفضل تصميم الرفاق والتزامهم الذاتي وقوة إرادتهم.

جون بيترسون: لماذا تعتبر الماركسية هي الحل الوحيد لهذا الجزء من العالم، وللعالم بأسره؟

لال خان: ذلك أولا لأن الرأسمالية قد استنفذت قدرتها على تطوير المجتمع في أي جزء من العالم. وإذا لم تعد قادرة على تطوير حتى البلدان المتقدمة حيث مرت الرأسمالية بالفعل بالثورة الصناعية، فكيف يمكنها أن تطور البلدان حيث لم تتمكن هي نفسها من تنفيذ ثورتها الخاصة؟ وثانيا لأن الحافز الرئيسي للرأسمالية هو الربح، ومع انكماش الاقتصاد، وتزايد الفقر، لا تستطيع الرأسمالية تحقيق معدلات الربح. إن وجودها نفسه وسيروراتها بالذات هي ما أوجد هذا الموقف. لذلك فهي تحاول تدمير المزيد من الشعوب، وتدمير الصناعة، وما إلى ذلك، في سعيها لتحقيق الربح. أعتقد أن الطريقة الوحيدة لتلبية احتياجات الشعوب هي استخدام جميع وسائل الإنتاج لهدف مختلف.

نريد أن نحول الوضع بحيث يصير السبب الرئيسي للإنتاج وهدفه الرئيسي وحافزه الرئيسي ليس الربح، بل تلبية احتياجات الشعوب. وهذا ممكن فقط عندما يتم القضاء على نظام الربح، ولا يمكن القضاء عليه إلا عندما لا تبقى ملكية وسائل الإنتاج ملكية خاصة، أو ملكية لفئة من النخبة الحاكمة، بل تصير ملكية للشعب نفسه وتحت الرقابة الديمقراطية للشعب نفسه، ويديرها الشعب نفسه. وعلى هذا الأساس فقط، ستحقق وسائل الإنتاج قفزة كبيرة، وسيصير في الإمكان تحقيق الكثير من الإنتاج من خلال التكنولوجيا الحديثة وغيرها من التطورات التي تحققت بفضل العمل البشري خلال القرون الماضية، ويصير من الممكن تلبية الاحتياجات البشرية في فترة قصيرة جدا، وسيتم القضاء نهائيا على العوز والحاجة.

سيؤدي ذلك إلى تحول كامل للإنسان، تحول كلي في سيكولوجيته، وتحول كلي في فكره، وفي مواقفه، في كل شيء. عندها ستدخل البشرية أخيرا عالم الحرية، بدلا من حالة الحرمان والعوز والبؤس والمرض التي نعيشها اليوم. هذا هو السبب الذي يجعل الاشتراكية هي الحل. والعلم الذي يساعدنا على فهم الإيديولوجية العلمية الأساسية للاشتراكية؛ وفهم الأساليب والتكتيكات والمنظورات الضرورية لتغيير هذا الوضع هو الماركسية.

جون بيترسون: هل لديك أي شيء آخر لتقوله، خاصة للشباب والعمال في الولايات المتحدة؟

لال خان: أعتقد أنه حري بي هنا أن أقتبس من تروتسكي، حين قال إن الولايات المتحدة هي المسبك الذي سيتم فيه صنع مصير الإنسانية. ونعتقد أن الشعب الأمريكي يتعرض للاضطهاد مثله مثل أي شعب في أي مكان آخر، وليست لدينا عداوة مع الشعب الأمريكي، وقد أظهر الشعب الأمريكي مرارا وتكرارا أنه ليست لديه عداوة مع شعوب العالم المضطهَدة. وقد أثبت التاريخ ذلك في العديد من المحطات، وخاصة أثناء الحملة ضد حرب فيتنام في الولايات المتحدة. أعتقد أنه في مقدور الشعب الأمريكي أن يلعب دورا قياديا لبقية شعوب الكوكب. لكن الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي التخلص من الاضطهاد ومن السيكولوجية التي فرضتها عليه الطبقة الحاكمة -بقنواتها التلفزية ووسائل إعلامها وصحفها- وكل الأساليب التي تستخدمها لخداع شعب الولايات المتحدة.

لكني لا أعتقد أنه في إمكان هذه التكتيكات أن تدوم طويلا، وعند نقطة معينة سوف تفشل تلك التكتيكات، وسوف يدرك الشعب من هو عدوه الحقيقي، أي الإمبريالية الأمريكية نفسها. بعد ذلك سوف ينهضون ويثورون ضد حكامهم، وسيحصلون على الدعم من بقية شعوب العالم في نضالهم ضد الإمبريالية الأمريكية، وستكون تلك ضربة حاسمة للإمبريالية الأمريكية التي هي وحش يدمر الشعوب في جميع أنحاء العالم. أعتقد أن القوة الحاسمة لتدمير هذا الوحش هي العمال والشباب الأمريكيين أنفسهم، وتحررهم سيؤدي إلى تحرر الشعوب المضطهَدة في بقية العالم.

جون بيترسون: شكرا جزيلا لك.