أزمة الرأسمالية ومهام المناضلين الماركسيين- الجزء الثاني

Arabic translation of The Crisis of Capitalism and the tasks of the Marxists – Part Two (September 22, 2009)

تعني الأزمة الحالية التي يعيشها العالم الرأسمالي أننا دخلنا مرحلة جديدة سوف يواجه العمال خلالها حالة من التقشف الدائم، مع ضرب مستوى العيش والهجمات على ظروف العمل. وقد بدأ كل هذا يدفع ملايين العمال والشباب إلى موجة من التجذر، خاصة في أمريكا اللاتينية وغيرها من الأجزاء المتخلفة من العالم، وهي الموجة الآخذة في الامتداد نحو الدول المتقدمة أيضا.

مرحلة كاملة من التقشف

على مدى خمسين عاما، وبفضل الازدهار الاقتصادي، في البلدان الرأسمالية المتقدمة (أوروبا والولايات المتحدة واليابان واستراليا، الخ.)، كانت الطبقة العاملة ومنظماتها قادرة على تحقيق ظروف حياة شبه متحضرة على الأقل. وقد كانوا يعتبرون هذه الشروط عادية لأنهم لم يعرفوا أي شيء آخر. لكن السنوات الخمسين الأخيرة لم تكن عادية على الإطلاق. لقد كانت استثناء تاريخيا، وليست الوضع الطبيعي في ظل الرأسمالية.

لنأخذ على سبيل المثال مسألة معاشات التقاعد. كان أول شخص طبق سياسة المعاشات هو بسمارك. لقد تفضل هذا البونابارتي الرجعي بإعطاء معاش التقاعد لجميع من يبلغ 70 عاما من العمر. في ذلك الوقت في ألمانيا، كان متوسط أمل الحياة هو 45 سنة. كان بسمارك رجلا ذكيا حقا! في الوقت الحاضر، يعتبر العمال في كثير من البلدان أنه من حقهم أن يحصلوا على بعض الأموال من الدولة عندما يصلون إلى 60 أو 65 سنة. إنهم يعتقدون أن ذلك أمر طبيعي، يعتبرونه حقا تلقائيا. لكنه ليس أمرا طبيعيا، كما أنه ليس حقا تلقائيا.

إن البرجوازية الآن تصرح بذلك علنا: "لا يمكننا تحمل هذا. لا يسعنا المحافظة على هذا العدد الكبير من العجائز والغير منتجين. المشكلة هي أن الناس يعيشون وقتا أطول من اللازم. عليهم أن يسدوا لنا معروفا ويموتوا في وقت مبكر!" اسمحوا لي أن أقتبس فقرة من افتتاحية صحيفة الإيكونوميست، عدد يوم 27 يونيو،: "سواء أحببنا ذلك أم لا، نحن بصدد العودة إلى عالم ما قبل بسمارك، حين لم يكن للعمل نقطة توقف رسمية"، أي بعبارة أخرى عليك أن تعمل حتى تسقط ميتا.

سوف تتعرض المعاشات للهجوم، بدءا من الولايات المتحدة الأمريكية. إن الرئيس أوباما يمثل القناع المبتسم للرأسمالية، وهو يحافظ على ابتسامة دائمة، فيما يشبه دعاية لمعجون الأسنان. لكن سرعان ما سوف يسقط هذا القناع اللطيف المبتسم. ووراء القناع المبتسم سيرى الشعب وجه الرأسمالية الحقيقي الوحشي والهمجي والقبيح. ليست هذه الهجمات مسألة غباء، أو لأنهم بلداء (على الرغم من أنهم حقا بلداء)، إنها مسألة ضرورة حتمية. ليس لديهم، من وجهة النظر الرأسمالية، خيار إلا أن يفعلوا هذا.

من وجهة نظر اقتصاد السوق عندما يقول الرأسماليون إنهم لا يستطيعون تحمل هذه الإصلاحات، يكونون بصدد قول الحقيقة: يتحتم عليهم أن يقوموا بالاقتطاعات، تلو الاقتطاعات، تلو الاقتطاعات، حتى عندما يكون هناك نمو اقتصادي. لقد طالبت شركة الطيران البريطانية (British Airways) عمالها مؤخرا أن يشتغلوا بدون مقابل، فقد قالوا للعمال: "لا يمكننا أداء أجوركم". خلال شهر يناير الماضي وافق سائقو الشاحنات، الذين يعتبرون قطاعا قويا من قطاعات الطبقة العاملة الأمريكية، على خفض الأجور بنسبة عشرة في المائة.

ما هي الخلاصة التي يمكن للمرء أن يستخلصها من هذا؟ هل نقول إن مستوى الوعي منخفض بين العمال هناك، وبأن العمال ليسو ثوريين، أي نكرر نفس تلك الترهات المألوفة التي نسمعها بين صفوف التحريفيين والعصب؟ كلا! إننا لا نستخلص مثل هذه الخلاصات. نحن نعتبر أن مثل هذه الأشياء نتيجة حتمية للفترة التي نمر منها، التي هي فترة انتقالية بين مرحلة وأخرى، مختلفة جدا.

الغليان في المجتمع

إن ما وصفناه ليس سيرورة بسيطة أو موحدة. فهناك بعض الإضرابات المريرة التي تحدث، حتى في الوقت الحالي. هناك عمليات احتلال للمصانع، ليس في أمريكا الجنوبية فقط، بل حتى في بريطانيا حدثت بعض عمليات احتلال المصانع. قبل أسبوع واحد حدث احتلال لمصنع في جزيرة وايت. لست أدري هل سبق للرفاق أن سمعوا من قبل بجزيرة وايت؟ إنها جزيرة صغيرة على الساحل الجنوبي لانجلترا حيث يذهب الأغنياء للعب بيخوتهم، وحيث يقضي الناس أيام العطل، وحيث يفوز حزب المحافظين دائما بأغلبية كبيرة. إنها تشبه، بالنسبة للرفاق الفنزويليين، جزيرة مرغريتا، باستثناء أن الأمطار فيها تهطل طوال الوقت، ولولا ذلك لكان كل شيء جيدا.

قبل أسبوع نظم عمال أحد المصانع في جزيرة وايت عملية احتلال. هذا واقع، وهو واقع هام جدا، لكن يجب علينا أن نكون حذرين بخصوص هذا الموضوع. إذا قلت إن هذه هي الصورة العامة للعمال في بريطانيا، سيكون ما أقوله خاطئا، إنها ليست الصورة العامة، في هذه المرحلة. سوف يأتي هذا في وقت لاحق. لكن ليس بعد. إلا أنه مع ذلك، لا يمكن للمرء أن يرسم علاقة أوتوماتيكية بين الإضرابات وبين التجذر، الذي يمكنه أن يعبر عن نفسه بطرق عديدة. لا يتوقع الماركسيون اندلاعا فوريا لعدد كبير من الإضرابات في ظل أزمة عميقة: سيكون مثل هذا المنظور غير واقعي تماما. هناك في واقع الأمر مستوى منخفض جدا من الإضرابات: في بريطانيا، وإيطاليا، وفرنسا، والولايات المتحدة. إلا أن هذا القول لا يكفي لفهم الصورة كاملة.

هناك غليان هائل في المجتمع، وهناك تشكيك واسع النطاق في مشروعية النظام الرأسمالي، لم نكن نسمعه من قبل. هذا هو حقل اشتغالنا؛ إنه الحقل حيث يمكن لأفكارنا أن تحدث أثرا كبيرا. هذا تحول، وهو تحول مهم. سوف يؤدي حتما إلى خلق ظروف مواتية لتطور التيار الماركسي. قلت إنه لم يكن في أمريكا، من سنة 1929 حتى سنة 1933، أية إضرابات تقريبا، لكن الحزب الشيوعي الأميركي نما بسرعة كبيرة في تلك الأيام، بين صفوف العاطلين عن العمل والسود على وجه الخصوص.

"العالم الثالث"

إن ما يصدق على البلدان الرأسمالية المتقدمة يصدق عشر مرات على بلدان ما يسمى بـ "العالم الثالث". إنني لا أحب مصطلح "العالم الثالث"، أعتقد أنه مصطلح غير علمي لكنني لا أستطيع التفكير في مصطلح بديل، أشير من خلاله إلى أجزاء من آسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وإفريقيا.

قال ماركس إن الخيار أمام الإنسانية هو إما الاشتراكية أو الهمجية، وهذا صحيح بشكل مطلق. لقد كانت إفريقيا جنوب الصحراء، حتى في أوج الازدهار الاقتصادي، تعيش وضعا كارثيا بشكل تام: تصفية عرقية رهيبة في رواندا، حرب أهلية مدمرة في الكونغو لم يتحدث عنها أي أحد، وحيث ذبح خمسة أو ستة ملايين شخص على الأقل. والآن هناك حرب وحشية تجري في الصومال. وفي الآونة الأخيرة قال استراتيجي أمريكي: "كلكم قلقون بخصوص ما يجري في أفغانستان، يجب أن تكونوا أكثر قلقا إزاء باكستان والصومال، حيث يمكن أن تحدث تطورات مماثلة".

لكن حتى في إفريقيا هناك بلدان ذات أهمية حاسمة ، حيث توجد طبقة عاملة جبارة: نيجيريا ومصر، حيث شهدنا اندلاع إضرابات كبيرة. إلا أن البلد الحاسم في إفريقيا السوداء هو جنوب إفريقيا. لقد وصل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي إلى السلطة على قاعدة مساومة خيانية، واستسلام تام. لم تحقق جماهير العمال السود أي شيء من وراء ذلك الاتفاق. كل ما حصل هو اندماج برجوازية سوداء وطبقة وسطى سوداء بالمستغِلين البيض، وهناك قسم من البرجوازيين داخل صفوف المؤتمر الوطني الإفريقي بقيادة تابو مبيكي، الذي كان في السابق قائدا ستالينيا وصار الآن برجوازيا كاملا، ونتيجة لذلك حدث انقسام هائل داخل المؤتمر الوطني الإفريقي.

لقد تأثرت جنوب إفريقيا بحدة بالأزمة الاقتصادية، بالرغم من أنها لم تعاني من أية أزمة منذ 17 سنة. لكنها الآن تواجه ركودا عميقا، ويصل المعدل الرسمي للبطالة إلى 23.5 %، أما المعدل الحقيقي فهو أكبر بكثير. لقد عوض زوما، مبيكي ومن الواضح أن جماهير السود اعتقدوا أن زوما سيكون أفضل من مبيكي، وأنه سوف يدافع عن مصالحهم. إلا أن الأسبوع الماضي شهدت جنوب إفريقيا اندلاع إضراب هائل. تطالب نقابة عمال البلديات بالرفع من الأجور بـ 15 %. ويبدو أنهم سوف يحققون ذلك. لكن حدثت مواجهات بينهم وبين قوات الشرطة، وأقيمت المتاريس وعملت الشرطة على إطلاق الرصاص المطاطي على العمال. وقد جرح 12 عاملا على الأقل، خلال هذه المواجهات، وما يزال الوضع مرشحا للتصاعد. وبالتالي فإن الحركة الثورية بدأت تمتد إلى أهم بلد في إفريقيا، أي جنوب إفريقيا.

لن أقول الكثير حول أمريكا اللاتينية لأنه سبق لنا أن قلنا ما يكفي عنها. إنها ما تزال أهم معقل للثورة العالمية. في فنزويلا استمرت الثورة أكثر من عشر سنوات، مما يشكل وضعا لا يصدق، إذ لم نر من قبل في التاريخ حالة ثورية تستمر كل هذه المدة. لكن تطرح هنا مشكلة القيادة الثورية. إن تشافيز رجل شجاع ونزيه جدا، لكن إجراءاته تجريبوية وارتجالية، وهو يصوغ برنامجه بينما هو يسير. إنه يحاول التوازن بين الطبقة العاملة والبورجوازية، الشيء الذي يعتبر مستحيلا تماما. ولا يمكن الاستمرار على هذا المنوال.

لقد تمكنوا من الاستمرار كذلك لمدة طويلة جدا بسبب الوضع الاقتصادي. فكما قال لينين: إن السياسة تكثيف للاقتصاد. إن ارتفاع أسعار النفط أنقذهم. وكانوا قادرين على تقديم التنازلات، وتطبيق الإصلاحات، وتمويل البعثات، وهلم جرا، ولكن كل هذا انتهى. فسعر النفط قد انخفض. لقد تعافى قليلا في الآونة الأخيرة، لكن هذا غير كاف. ووفقا للأرقام التي اطلعت عليها، وصل معدل التضخم حوالي 30 ٪. وبالتالي حدث هبوط في الأجور الحقيقية. كثير من نظم الرعاية بدأت تعاني من الاقتطاعات ومعدلات البطالة آخذت في الارتفاع.

أنا لا شك في أن العمال الفنزويليين ما يزالون موالين لتشافيز، لكن ليس لدي أي شك أيضا في أن العديد من العمال، حتى أنصار تشافيز الأوفياء، صاروا يقولون، ويفكرون: "أي نوع من الثورة هذا؟ أي نوع من الاشتراكية هذا؟ هل سنعمل على حل هذه المشاكل أم لا؟" ويجب أن يكون لهذا انعكاس داخل الحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد، الذي سيعقد مؤتمره هذا الخريف.

لقد تبقرط الحزب بشكل كبير والقيادة تحت سيطرة الإصلاحيين، إلا أن الضغط من تحت سوف يكون موجودا. هناك تقاطب حاد بين اليمين واليسار في فنزويلا، ولابد أن ينعكس هذا التقاطب داخل صفوف الحركة البوليفارية نفسها. الشيء الذي سيخلق ظروفا جد ملائمة أمام التيار الماركسي.

يمكنكم أن تروا كم كنا على صواب عندما أكدنا بإصرار على الدور المركزي للمنظمات الجماهيرية. قلنا إن الحركة الجماهيرية في جنوب إفريقيا سوف تعبر عن نفسها من خلال حزب المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب الشيوعي، وبالطبع من خلال نقابة COSATU [مؤتمر النقابات الجنوب إفريقية]. لقد تأخر حدوث ذلك قليلا، وقد تأجلت السيرورة بشكل عام بسبب الوضع الاقتصادي. علينا أن نتحلى بالصبر. لكن في جنوب إفريقيا ها هي منظوراتنا تتحقق أمام أعيننا.

نفس الشيء سوف يحدث في فنزويلا أيضا، لأن رفاقنا هناك قاموا بعمل رائع، حيث يجمعون بين الصرامة النظرية وبين المرونة التكتيكية اللازمة، ويؤكدون دائما على دور الحركة البوليفارية والحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد. وأعتقد أنه خلال السنوات القليلة القادمة سوف تتحول منظمتنا إلى جناح معارضة يسارية جماهيرية داخل الحزب الاشتراكي الموحد، الذي نشارك فيه، بطبيعة الحال، بتخصيبه بالأفكار الماركسية.

نرى في المكسيك أيضا أهمية القيادة. فسنة 2006، لم يكن على لوبيث أوبرادور إلا أن يشير بأصبعه الصغير حتى يحصل على ثورة اشتراكية ظافرة في المكسيك، حيث كان ملايين الناس في الشوارع. لكن ولأن لوبيث أوبرادور مجرد إصلاحي، وأعتقد أنه كان خائفا من الحركة أكثر حتى من كالديرون نفسه، فإنه عمل على وضع العراقيل في طريق الحركة. الشيء الذي أدى، بطبيعة الحال، إلى إحباط الجماهير. وفي الانتخابات الأخيرة تكبد حزب الثورة الديمقراطية (PRD) الهزيمة بينما حصل الحزب الثوري الدستوري (PRI) على فوز كبير.

هل يعني هذا أن العمال المكسيكيين رجعيون، أو أنهم أصبحوا فجأة محافظين؟ يتوجب علينا أن نفهم سيكولوجية العمال المكسيكيين. لقد دعموا حزب الثورة الديمقراطية، دعموا لوبيث أوبرادور، لكن هناك أزمة اقتصادية حادة في المكسيك. وتعتمد مناطق بأسرها في المكسيك على العمال المشتغلين في الولايات المتحدة (يصدق هذا بشكل أكبر على بلدان أمريكا الوسطى، كما ترون في الهندوراس أو السلفادور). وعندما يسرح هؤلاء العمال لا يعود في مقدورهم أن يبعثوا بالأموال إلى عائلاتهم. إن هذه كارثة. الشيء الذي يفسر الغليان الذي تعرفه الهندوراس، وسيكون هناك غليان مشابه في جميع بلدان أمريكا الوسطى.

لكن العمال أناس عمليون جدا. فالعامل المكسيكي ينظر إلى حزب الثورة الديمقراطية وإلى قيادته، فيقول: "إن هؤلاء الناس ميئوس منهم، إنهم لا يفعلون شيئا. أنا بحاجة إلى الطعام، وأحتاج إلى عمل. عندما كان الحزب الثوري الدستوري في السلطة، كنا نعرف أنهم رجال عصابات فاسدين، لكنهم على الأقل أعطوني شيئا لآكله، وكان لذي منصب شغل". وبالتالي صوت الكثير من الناس للحزب الثوري الدستوري، ليروا ما إذا كان سيفعل شيئا من أجلهم. إن الحزب الثوري الدستوري لن يفعل شيئا من أجلهم، وسوف يشوه سمعته في القريب العاجل. وسوف يسترد حزب الثورة الديمقراطية عافيته على أساس المزيد من التجذر نحو اليسار.

هل هناك خطر الفاشية؟

في ظل هذا الوضع، الذي هو وضع انتقالي، سنجد جميع أنواع التناقضات، ليس فقط في أمريكا الجنوبية، لكن أيضا في أوروبا والعالم أجمع. خلال الانتخابات الأوروبية الأخيرة، تعرض الاشتراكيون الديمقراطيون، على وجه الخصوص، لهزيمة ثقيلة. وفي بعض البلدان اكتسب اليمين المتطرف بعض الدعم. نحن نعرف أن العصب اليسارية المتطرفة تعاني من مشاكل نفسية خطيرة، فهي تعاني من التشنج العصبي، وكلما حصلت أحزاب اليمين المتطرف على بعض الأصوات الإضافية، تبدأ تلك العصب على الفور في العويل، وتصرخ : "الفاشية، الفاشية، الفاشية!".

هذا هراء وجنون. إن ميزان القوى الطبقي في جميع البلدان يقصي إمكانية صعود الفاشية في هذه المرحلة. قبل الحرب كانت الطبقة العاملة، في بلدان مثل إيطاليا وحتى ألمانيا، واسبانيا، تشكل أقلية في المجتمع. وحتى في ألمانيا كانت هناك طبقة ضخمة من الفلاحين الذين يسهل كسبهم بالخطابات الديماغوجية لليمين المتطرف والأحزاب الفاشية. وقد كان نفس الوضع موجودا حتى في فرنسا قبل الحرب. لكن الآن كل هذا انتهى. لقد اختفت طبقة الفلاحين تقريبا في أغلب البلدان الأوروبية، والطبقة العاملة الآن تشكل أغلبية حاسمة في المجتمع.

خلال سنوات الثلاثينات كان الطلبة، في جميع البلدان، أبناء الأغنياء (لم يكن هناك سوى القليل من البنات في الجامعات آنذاك). أغلبهم كانوا محافظين وعدد كبير منهم كانوا فاشستيين ونازيين. وقد كان الطلبة في بريطانيا، سنة 1926، كاسري إضرابات. وفي ألمانيا وإيطاليا والنمسا، كان أغلب الطلاب فاشستيين. هل هذا هو الحال السائد اليوم؟ اذكروا لي أي بلد في العالم يسيطر فيه الفاشستيون على الطلاب. على العكس تماما، إن الطلاب في أغلب بلدان العالم يساريون، بل حتى ثوريون.

ومن ثم فإنه من السخف الحديث عن الفاشية مثلما كان الحال في الثلاثينات. إن الفاشيين عندما يوجدون، لا يشكلون سوى منظمات صغيرة. يمكنهم أن يكونوا جد خطيرين، وعنيفين ويلجئون إلى الاستفزازات، لكن ليس هناك أي احتمال لكي يستولوا على السلطة. وعلى كل حال، إن الطبقة السائدة لن تستطيع اللجوء إلى الردة الرجعية السافرة إلا بعد تعرض الطبقة العاملة لسلسلة من الهزائم الثقيلة جدا. كان هذا هو الحال في ألمانيا، وكان هذا هو الحال في إيطاليا أيضا، واسبانيا أيضا في الفترة ما بين 1919-1939. لذا، فقبل وقت طويل من أن تطرح مسألة الردة الفاشية، سيكون العمال في أوروبا وأمريكا اللاتينية قد حاولوا مرات عدة الاستيلاء على السلطة. هذا هو الوضع الحقيقي.

يمكنكم أن تقولوا إنه يوجد في بوليفيا حركة فاشية. هناك على الأقل الفاشيون منخرطين في صفوف حركة المعارضة اليمينية. خلال السنوات القليلة الماضية كان في مقدور الطبقة العاملة البوليفية الباسلة، في مناسبتين اثنتين على الأقل، أن تأخذ السلطة بسهولة. فإذا لم تكن قد أخذت السلطة، فإن ذلك ليس ذنبها، بل هو ذنب القيادة. لقد أشعل العمال البوليفيون انتفاضتين ثوريتين. لقد أطاحوا بحكومتين. أسألكم، ما الذي يمكن للمرء أن يطلبه أكثر من عمال بوليفيا؟ ما هو المتوقع منهم أكثر ليقوموا به؟ لكنهم فشلوا بسبب القيادة التي لم يكن لديها أي منظور للاستيلاء على السلطة.

ومن ثم انتهى الأمر بصعود حكومة إيفو موراليس الإصلاحية. وقد فتح ذلك مرحلة من الصراع الطبقي الحاد في بوليفيا، لم يحسم مصيره بعد. إن مصيره رهين بقدرة الماركسيين البوليفيين على تشييد القيادة الثورية، وأنا جد سعيد بأن أعلن أن التيار الماركسي الأممي قد وافق للتو على التحاق فرعين جد هامين، هما: الفرع البوليفي والفرع المغربي.

يتبع »

«الجزء الأول

Source: Marxy.com